للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وقد خفي على ابن عمر عمرة الجعرانة ولذا أنكره هو ومولاه نافع، فقد أخرج البخاري (١) من طريق أيوب عن نافع قال: لم يعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف على عبد الله، وأخرج مسلم (٢) من هذا الوجه عن نافع قال: ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة، فقال: لم يعتمر منها، قال النووي (٣): هذا محمول على نفي علمه، أي: أنه لم يعلم ذلك، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر من الجعرانة، والإثبات مقدم على النفي، وقد ذكر مسلم في "كتاب الحج" اعتمار النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة عام حنين من رواية أنس، انتهى من "جزء عمرات النبي - صلى الله عليه وسلم -" (٤).

وقال الحافظ (٥): أورد في الباب حديث عائشة وابن عمر في أنه اعتمر أربعًا، وكذا حديث أنس، وختم بحديث البراء أنه اعتمر مرتين، والجمع بينه وبين أحاديثهم أنه لم يعدَّ العمرة التي قرنها بحجته؛ لأن حديثه مقيد بكون ذلك وقع في ذي القعدة، والتي في حجته كانت في ذي الحجة، وكأنه لم يعد أيضًا التي صدّ عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة، أو عدّها ولم يعد عمرة الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره، إلى آخر ما قال.

وفي "جزء حجة الوداع" (٦) بعد بسط الكلام: فالحاصل أن من قال: اعتمر أربعًا عدّ فيهن الحديبية أيضًا؛ لأن فيها ثبتت أحكام العمرة الكثيرة من الإحرام والاصطياد، والطيب وغيرها، وأما من قال: اعتمر ثلاثًا فيحتمل أنه لم يعد عمرة الحج لكونها داخلة في الحج، أو عمرة الجعرانة لخفائها لكونها في الليل، أو لم يعد فيها عمرة الحديبية لكونها لم تكمل، وأما من قال: اعتمر مرتين فلم يعد فيها عمرة الحج وعمرة الحديبية، بل


(١) "صحيح البخاري" (ح: ٣١٤٤).
(٢) "صحيح مسلم" (ح: ١٦٥٦).
(٣) "شرح صحيح مسلم" (٦/ ١٤٠).
(٤) (ص ٣٧١).
(٥) "فتح الباري" (٣/ ٦٠٠).
(٦) "حجة الوداع وجزء عمرات النبي - صلى الله عليه وسلم -" (ص ٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>