للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحافظ (١): قال ابن بطال (٢): أخذ الجمهور بجواز توكيل الحاضر بالبلد بغير عذر، ومنعه أبو حنيفة إلا بعذر مرض أو سفر أو برضا الخصم، واستثنى مالك من بينه وبين الخصم عداوة، وقد بالغ الطحاوي في نصرة قول الجمهور، واعتمد في الجواز حديث الباب، قال: وقد اتفق الصحابة على جواز توكيل الحاضر بغير شرط، قال: ووكالة الغائب مفتقرة إلى قبول الوكيل الوكالة باتفاق، وإذا كانت مفتقرة إلى قبول فحكم الغائب والحاضر سواء، انتهى.

قلت: وإنما رجح الطحاوي قول الجمهور لأنه مذهب صاحبي أبي حنيفة كما في "العيني" (٣)، وفيه: وفي "التوضيح": وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة في قوله: إنه لا يجوز توكيل الحاضر بالبلد الصحيح البدن إلا برضا خصمه، قلت: ليس بحجة عليه لأنه لا ينفي الجواز، ولكن يقول: لا يلزم، يعني: لا يسقط حق الخصم في طلب الحضور والدعوى والجواب بنفسه، انتهى مختصرًا.

قلت: وهو كذلك، وهو واضح، فإن الإمام أبي حنيفة لم ينكر الجواز، بل قال: إن للخصم حق الاعتراض، وفي حديث الباب لم يعترض صاحب الدين، فثبت رضاه دلالة.

وقال القسطلاني (٤): قوله: "فقال: أعطوه" وهذا موضع الترجمة؛ لأن هذا توكيل منه عليه الصلاة والسلام لمن أمره بالقضاء عنه، ولم يكن عليه الصلاة والسلام مريضًا ولا غائبًا، وأما قول الحافظ ابن حجر: وموضع الترجمة منه لوكالة الحاضر واضح، وأما الغائب فيستفاد منه بطريق الأولى، فتعقبه العيني بأنه ليس فيه شيء يدل على حكم الغائب فضلًا عن الأولوية، وأجاب في الانتقاض بأن وجه الأولوية أن وكالة الحاضر إذا جازت مع


(١) "فتح الباري" (٤/ ٤٨٣).
(٢) "شرح ابن بطال" (٦/ ٤٣٩).
(٣) "عمدة القاري" (٨/ ٦٧٩).
(٤) "إرشاد الساري" (٥/ ٣١٢ - ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>