للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزاد الحافظ (١) عن المهلب: ولا أعلم خلافًا أن المؤتمن إذا أقرض شيئًا من مال الوديعة وغيرها لم يجز له ذلك، وكان رب المال بالخيار، قال: وأخذ ذلك من حديث الباب بطريق أن الطعام كان مجموعًا للصدقة، وكانوا يجمعونه قبل إخراجه، وإخراجه كان ليلة الفطر، فلما شكا السارق لأبي هريرة الحاجة تركه، فكأنه أسلفه إلى أجل وهو وقت الإخراج، انتهى.

وتعقب عليه العلَّامة القسطلاني كما سبق آنفًا، وقال الكرماني (٢): تؤخذ المناسبة من حيث إنه أمهله إلى أن رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، كذا قال، انتهى.

قلت: والأوجه عند هذا العبد الضعيف أن المطابقة تؤخذ بطريق الأولوية؛ فإنه إذا ثبت الترك برأسه فالإقراض بطريق الأولى، ثم اعلم أنه قد تعرض العلَّامة السندي (٣) لإشكال يرد على هذه القصة ولم يتعرض له في الشروح الأخر إذ قال: قوله: "فرحمته فخليت سبيله. . ." إلخ، فإن قلت: كيف رحمه؟ والرحمة عليه فرع تصديقه، وفي تصديقه تكذيب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قد كذبك".

قلت: يحتمل أنه رحمه بما لحقه من الخوف والفزع الذي أفضاه إلى هذا الكذب وإلى تخليص نفسه بالحيل وإن كذبه في هذه الحيلة، ويحتمل أنه نسي قوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: "إنه قد كذبك" حين أكثر الإلحاح والتضرّع وأشغل قلبه بذلك، وعلى الأولى قول أبي هريرة في الجواب: "شكا حاجة شديدة وعيالًا فرحمته" أنه خاف بحيث وقع لأجله في الكذب والحيل فرحمته، والله تعالى أعلم، انتهى.


(١) "فتح الباري" (٤/ ٤٨٧).
(٢) "شرح الكرماني" (١٠/ ١٤٠ - ١٤١).
(٣) "حاشية السندي على صحيح البخاري" (٢/ ٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>