للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصنف صدر الترجمة من الحديث الأول ظاهر، ويؤخذ أيضًا من الحديث الثاني؛ لأن بقية الكلام محذوف، تقديره: لكن النظر لآخر المسلمين يقتضي أن لا أقسمها بل أجعلها وقفًا على المسلمين، وقد صنع ذلك عمر في أرض السواد، وأما قوله: "وأرض الخراج. . ." إلخ، فيؤخذ من الحديث الثاني، فإن عمر لما وقف السواد ضرب على من به من أهل الذمة الخراج، فزارعهم وعاملهم، فبهذا يظهر مراده من هذه الترجمة ودخولها في أبواب المزارعة، وقال ابن بطال (١): معنى هذه الترجمة أن الصحابة كانوا يزارعون أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته على ما كان عامل عليه يهود خيبر، إلى آخر ما قال في "الفتح".

قلت: وما يظهر لهذا العبد الضعيف أن الإمام البخاري أشار بالترجمة إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل الوقف بنفسه الشريفة، بل الأوقاف كانت من الصحابة - رضي الله عنهم -، ويؤيده ما قال القسطلاني (٢) في صدقة عمر المذكورة: حكى الماوردي أنها أول صدقة تصدق بها في الإسلام، انتهى.

وعلى هذا فلا يبعد أن يكون الإمام البخاري أشار بالترجمة إلى رد ما حكي عن أبي عبد الله بن المعلم إمام الإمامية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نورث ما تركنا صدقة" إن لفظ "صدقة" بالنصب على الحال، فيقتضي ذلك أن ما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه الصدقة لا يورث عنه، كما ذكر في "الأوجز" (٣)، وبسط فيه أيضًا المباحث الكثيرة في حديث: "لا نورث ما تركنا صدقة".

وفي "الفيض" (٤): اعلم أن الوقف عندنا لا يجري إلا في العقار إلا أن يكون تابعًا، وأما عند محمد فيصح بكل منقول جرى فيه التعامل بوقفه، ثم قالوا: إن الوقف عندنا تصدق بالمنفعة مع حبس الأصل على ملك الواقف، وعند صاحبيه: هو حبس الأصل على ملك الله تعالى، لا يملك ولا يورث، إلى آخر ما بسط من الكلام.


(١) "شرح ابن بطال" (٦/ ٤٧٣).
(٢) "إرشاد الساري" (٥/ ٣٦٠).
(٣) "أوجز المسالك" (١٧/ ٥٣٥، ٥٤٦).
(٤) "فيض الباري" (٣/ ٥٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>