للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الباب الذي قبله، وقد أورد فيه حديث ابن عمر وحديث عمر، وأشكل تعلقهما بالترجمة، فقال المهلب: حاول البخاري جعل موضع معرس النبي - صلى الله عليه وسلم - موقوفًا أو متملكًا له لصلاته فيه ونزوله به، وذلك لا يقوم على ساق؛ لأنه قد ينزل في غير ملكه ويصلي فيه، فلا يصير بذلك ملكه، كما صلى في دار عتبان بن مالك وغيره.

وأجاب ابن بطال (١) بأن البخاري أراد أن المعرس نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنزوله فيه ولم يرد أنه يصير بذلك ملكه، ونفى ابن المنيِّر (٢) وغيره أن يكون البخاري أراد ما ادعاه المهلب، فإنما أراد التنبيه على أن البطحاء التي وقع فيها التعريس، والأمر بالصلاة فيها لا تدخل في الموات الذي يحيى ويملك إذ لم يقع فيها تحويط ونحوه من وجوه الإحياء، أو أراد أنها تلحق بحكم الإحياء لما ثبت لها من خصوصية التصرف فيها فصارت كأنها أرصدت للمسلمين كمنى مثلًا، فليس لأحد أن يبني فيها ويتحجرها لتعلق حق المسلمين بها عمومًا.

قال الحافظ: وحاصله أن الوادي المذكور وإن كان من جنس الموات، لكن مكان التعريس منه مستثنى لكونه من حقوق العامة، فلا يصح احتجاره لأحد ولو عمل فيه بشروط الإحياء، ولا يختص ذلك بالبقعة التي نزل بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كل ما وجد من ذلك فهو في معناه، انتهى.

وقال العيني (٣): وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب من حيث إنه أشار إلى أن ذا الحليفة لا يملك بالإحياء لما فيه من منع الناس النزول فيه، وأن الموات يجوز الانتفاع به، وأنه غير مملوك لأحد، وهذا المقدار كاف في وجه المطابقة، وقد تكلم المهلب فيه بما لا يجدي، ورد عليه ابن بطال بما لا ينفع، وجاء آخر نصرًا لمهلب في ذلك، والكل لا يشفي العليل ولا يروي الغليل، انتهى.


(١) "شرح ابن بطال" (٦/ ٤٧٩).
(٢) "المتواري" (ص ٢٦٧).
(٣) "عمدة القاري" (٩/ ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>