للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة أنه - سبحانه وتعالى - سوّى بين الوصية والدين في تقديمهما على الميراث ولم يفصِّل، فخرجت الوصية للوارث بالدليل الذي تقدم، وبقي الإقرار بالدين على حاله، وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} متعلق بما تقدم من المواريث كلها لا بما يليه وحده، وكأنه قيل: قسمة هذه الأشياء تقع من بعد وصية، والوصية هنا المال الموصى به، انتهى.

قوله: (أجازوا إقرار المريض بدين. . .) إلخ، كتب الشيخ في "اللامع" (١): إن كان المجاز دين الصحة فلا خلاف لنا ولهم، وإن أثبت أحد أنه دين المرض فلا يلزمنا قولهم، وكونه متهمًا في دعواه لا يرفع الشبهة عن إخباره ولا يحصل الأمن واستيقان الصدق في إقراره، وكونه متهمًا أظهر، وقد ثبت أن الشرع اعتبر التهمة في تلك الأبواب حتى إنه لم يجوز شهادة المرء لأبويه، وهل هذا إلا اتهامًا وظنًا بالمسلم سوءًا، فهل كان الرجل لتلك الشبهة مظنة نفاق كما أوردتموه بالرواية؟ وإن كان لا بد كذلك فلا ضير فيه إذا ثبت مثله في الشرع، انتهى.

قلت: والمسألة خلافية شهيرة، وما يظهر من الشروح من تفرد الحنفية بذلك ليس بذاك، فإن الجمهور في ذلك مع الحنفية الكرام، قال الموفق (٢): إن أقر لوارث لم يلزم باقي الورثة قبوله إلا ببيِّنة، وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال عطاء وإسحاق وغيرهما: يقبل؛ لأن من صح الإقرار له في الصحة صح في المرض كالأجنبي، وللشافعي قولان كالمذهبين، وقال مالك: يصح إذا لم يتهم، ويبطل إن اتهم، انتهى.

وقال الحافظ (٣): قال ابن المنذر: أجمعوا على أن إقرار المريض لغير الوارث جائز، لكن إن كان عليه دين في الصحة فقد قالت طائفة - منهم النخعي وأهل الكوفة -: يبدأ بدين الصحة، ويتحاص أصحاب الإقرار في المرض، انتهى (٤).


(١) "لامع الدراري" (٧/ ١٦٦ - ١٦٨).
(٢) "المغني" (٧/ ٣٣٢، ٣٣٣).
(٣) "فتح الباري" (٥/ ٣٧٦).
(٤) "اللامع" (٧/ ١٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>