للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوارد بعد الباب الثالث البابين السابقين أيضًا، فإنه - رحمه الله - أورد فيه حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله تعالى يتقبلها [بيمينه]، ثم يُرَبِّيها لصاحبه" (١) الحديث، فإن قوله: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب" ثالث التراجم، وقوله: "لا يقبل الله إلا الطيب" ثانيها، وقوله: "فإن الله تبارك وتعالى يربيها حتى تكون مثل الجبل"، يشير إلى أولها بالضد، فإن التربية تنافي الإبطال، والاستدلال بالأضداد من أصول التراجم، كما في التاسع والستين.

وسيأتي في أول "الجنائز" (٢) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات يشرك بالله دخل النار"، قلت: من مات لا يشرك بالله دخل الجنة، فهذا ابن مسعود - رضي الله عنه - استنبط الثاني لكونه ضد الأول.

ومن ذلك الأصل أن الإمام البخاري ترجم "باب صدقة العلانية"، ثم "باب صدقة السر"، وذكر فيه حديثًا معلقًا، ثم "باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم"، ولم يأت بالحديث مسندًا للأولين، وأتى في الباب الثالث بحديث أبي هريرة: "قال رجل: لأتصدقن بصدقة. . ." الحديث، وقال الحافظ وتبعه غيره في الباب الأول (٣): سقطت هذه الترجمة للمستملي وثبتت للباقين، وبه جزم الإسماعيلي، ولم يثبت فيها لمن أثبتها حديث، وكأنه أشار إلى أنه لم يصح فيها شيء على شرطه، انتهى، وهكذا قال العيني وغيره.

والأوجه عندي: أنه ثبتت بحديث أبي هريرة المذكور التراجم الثلاثة، الصدقة على الغني ظاهر، ولما لم يكن في بعض النسخ الباب الثالث مستقلًّا وأدمجه بالباب الثاني، فوجَّه الحافظ مناسبة حديث أبي هريرة بالباب


(١) أخرجه البخاري ب (رقم ١٤١٠).
(٢) انظر: "صحيح البخاري" (ح: ١٢٣٨).
(٣) "فتح الباري" (٣/ ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>