للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لترجمة الإمام أبي داود إذ قال: إن العين المذكور في الحديث أوهم أنه ممن له أمان، فلما قضى حاجته من التجسس انفتل مسرعًا، فعلموا أنه حربي دخل بغير أمان، انتهى.

ثم هذا الخلاف المذكور إنما هو في الجاسوس الحربي الكافر، أما لو كان الجاسوس مسلمًا فهل يجوز قتله؟ مسألة خلافية أيضًا، فذهب الإمام مالك ومن وافقه إلى جواز قتله، فقد قال الحافظ (١) في حديث قصة حاطب بن أبي بلتعة: واستدل باستئذان عمر على قتل حاطب لمشروعية قتل الجاسوس ولو كان مسلمًا، وهو قول مالك ومن وافقه، ووجه الدلالة أنه - صلى الله عليه وسلم - أقرّ عمر على إرادة القتل لولا المانع، وبيَّن المانع وهو كون حاطب شهد بدرًا، وهذا منتف في غير حاطب، فلو كان الإسلام مانعًا من قتله لما علل بأخص منه، انتهى.

وفي "البذل" (٢) في شرح حديث الباب، حديث سلمة بن الأكوع: قال النووي (٣): وفيه قتل الجاسوس الحربي، وهو كذلك بإجماع المسلمين، وأما الجاسوس المعاهد والذمي، فقال مالك والأوزاعي: يصير ناقضًا للعهد، فإن رأى استرقاقه أرقه، ويجوز قتله. وقال جماهير العلماء: لا ينتقض عهده بذلك. قال أصحابنا: إلا أن يكون قد شرط عليه انتقاض العهد بذلك.

وأما الجاسوس المسلم. فقال الشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وبعض المالكية وجماهير العلماء - رحمهم الله تعالى -: يعزره الإمام بما يرى من ضرب وحبس ونحوهما، ولا يجوز قتله. وقال مالك رحمه الله تعالى: يجتهد فيه الإمام، ولم يفسر الاجتهاد. وقال القاضي عياض: قال كبار


(١) "فتح الباري" (١٠/ ٦٨٤).
(٢) "بذل المجهود" (٩/ ٢٥١ - ٢٦٤، ٢٦٥).
(٣) "شرح صحيح مسلم" (٦/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>