للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وحديث أبي ذر المتقدم في كلام الحافظ والعيني ذكره ابن الجوزي في "التلقيح" (١) مفصلًا، كما ذكر في هامش "اللامع" (٢)، وقال القاري (٣) في شرح حديث أبي ذر: العدد في هذا الحديث وإن كان مجزومًا به، لكنه ليس بمقطوع، فيجب الإيمان بالأنبياء والرسل مجملًا من غير حصر في عدد لئلا يخرج أحد منهم، ولا يدخل أحد من غيرهم فيهم، انتهى.

ثم لا يذهب عليك أن الإمام البخاري - رضي الله عنه - كما أنه مجتهد في المسائل الفقهية لا يبالي خلاف أحد، كذلك له رأي مستقل في التاريخ لا يبالي خلاف المؤرخين، كما سترى في ذكر ترتيب الأنبياء، فقد ترى أنه ذكر إدريس بعد نوح، وجمهور المؤرخين على أن إدريس من أجداد نوح - عليهما السلام - إلا أن البخاري خالفهم، فذكره بعد نوح، ولعل مستنده في ذلك حديث المعراج، وقد ذكره المصنف في "باب ذكر إدريس"، فإنه وقع فيه قول إدريس للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح"، فلو كان إدريس من أجداد نوح لما قال: بالأخ الصالح، بل قال: بالابن الصالح، وهو استدلال جيد، وإليه ذهب الشيخ أبو بكر بن العربي، وأجاب عنه الجمهور بأنه قال ذلك على سبيل التواضع والتلطف، فليس ذلك نصًا فيه، وهكذا ترى في مواضع أخر.

وترتيبهم على ما ذكره ابن الجوزي في "التلقيح" (٤) إذ قال: ذكر ترتيب كبار الأنبياء: كان من بعد آدم شيث - عليه السلام -، وهو وصي آدم، وأنزل الله عليه خمسين صحيفة، قال محمد بن جرير: وإلى شيث تنتهي أنساب بني آدم كلهم اليوم، وذلك أن نسل ولد آدم، غير نسل شيث، انقرضوا فلم يبق أحد منهم، ثم كان إدريس - عليه السلام -، قال أبو بكر بن أبي خيثمة: وكان من بعد - بياض في الأصل -[إدريس] نوح، ثم هود ثم صالح ثم إبراهيم ثم كان


(١) "تلقيح فهوم أهل الأثر" (ص ٣).
(٢) "لامع الدراري" (٨/ ١، ٢).
(٣) "مرقاة المفاتيح" (٩/ ٧٣١).
(٤) "تلقيح فهوم أهل الأثر" (ص ٤ - ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>