للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لا تحرّوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها" (١).

والإمام البخاري - رضي الله عنه - أورد السياقين معًا في "صحيحه"، لكنه ترجم على النهي عند الطلوع بالإطلاق، فقال: "باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس"، وترجم على الثاني "باب لا تتحرى الصلاة عند غروب الشمس"، ولم يتعرض لذلك الشرَّاح، إلا ما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع" (٢) أنه رحمه الله تعالى نبَّه بذلك إلى اختلاف المذاهب، ومال السندي إلى توجيه أحاديث التحرِّي إلى أحاديث الإطلاق.

والأوجه عندي: أن ذلك فعله الإمام البخاري قصدًا وتنبيهًا، على أنه لم يرد في أحاديث الصلاة عند الطلوع ما يخالف حديث النهي، فرجَّح في ذلك أحاديث الإطلاق، ووقع في الصلاة بعد العصر ما سيأتي في "باب ما يصلى بعد العصر" من ثبوت الصلاة بعد العصر على شرط البخاري، فرجَّح الإمام في الجزء الأول - أي: الفجر - أحاديث النهي مطلقًا، ورجح في الجزء الثاني أحاديث التحرِّي.

وهكذا روى الإمام البخاري - رحمه الله - عن ابن عباس قال: "أُمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يَسجد على سبعة أعظم، ولا يكفّ شعره ولا ثوبه" (٣) بسياق واحد في الفعلين، وغيَّر الإمام البخاري سياق الترجمتين، فترجم "باب لا يكفّ شعرًا" و"باب لا يكفّ ثوبه في الصلاة" تنبيهًا على الاختلاف في الثاني، هل هو مقيّد بالصلاة أو لا؟ كما بسط في الشروح، وهكذا ورد في الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس السراويل" (٤)، هكذا ورد في روايات عديدة ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمرين على سياق واحد.

وغيّر الإمام البخاري سياق الترجمتين، فترجم أولًا "باب لبس الخفين


(١) "صحيح البخاري" (ح: ٥٨٢).
(٢) انظر: "لامع الدراري" (٣/ ٦٤).
(٣) "صحيح البخاري" (ح: ٨١٥).
(٤) انظر: "صحيح البخاري" (ح: ٥٨٠٤)، و"صحيح مسلم" (ح: ١١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>