للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان في أيام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولما فاته عين الحياة وحظي بها الخضر - عليه السلام - اغتم غمًّا شديدًا، فأيقن بالموت، فمات بدومة الجندل، وكان منزله، وقيل: بشهر زور، وقيل: بأرض بابل، وكان قد ترك الدنيا وتزهد، وقال مجاهد: عاش ألف سنة مثل آدم - عليه السلام -، وقال ابن عساكر: بلغني أنه عالش ستًّا وثلاثين سنة، وسمي ذا القرنين؛ لأنه ملك المشرق والمغرب، أو لأنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها، ولأنه كان له قرنان، أي: ضفيرتان، أو لقب بذلك لشجاعته، انتهى مختصرًا من "العيني" بزيادة من "القسطلاني" (١).

قال الحافظ (٢): وفي إيراد المصنف - رحمه الله - ترجمة ذي القرنين قبل إبراهيم إشارة إلى توهين قول من زعم أنه الإسكندر اليوناني؛ لأن الإسكندر كان قريبًا من زمن عيسى - عليه السلام -، وبين زمن إبراهيم وعيسى أكثر من ألفي سنة، والحق أن الذي قصَّ الله نبأه في القرآن هو المتقدم، والفرق بينهما من أوجه، ثم ذكر عدة أوجه تقدم بعض منها في كلام العيني، منها أن ذا القرنين كان من العرب، وأما الإسكندر فهو من اليونان، والعرب كلها من ولد سام بن نوح بالاتفاق، وإن وقع الاختلاف هل هم كلهم من بني إسماعيل أو لا؟ واليونان من ولد يافث بن نوح على الراجح فافترقا، ثم بسط الكلام على نبوته، وملخصه أن فيه ثلاثة أقاويل، قيل: كان نبيًا، وقيل: كان من الملائكة، وقيل: كان من الملوك، وعليه الأكثر.

وقال في مقدمة "الفتح" (٣): مال البخاري إلى أنه نبي، ولذا ذكره في الأنبياء، وإلى أنه مقدم على إبراهيم - عليه السلام -، ولذا قدَّم ترجمته على ترجمته.

ثم اعلم أنه وقع في نسخة "الفتح" قبل هذا الباب المذكور "باب قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا. . .} " إلخ، مع ذكر ما فيه


(١) "إرشاد الساري" (٧/ ٢٩٨).
(٢) "فتح الباري" (٦/ ٣٨٢ - ٣٨٣).
(٣) مقدمة "فتح الباري" (ص ٤٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>