للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلًا: ترجم بعد ذلك "باب الجهر في المغرب" و"باب الجهر في العشاء"، وقال الحافظ في "باب الجهر في المغرب" (١): اعترض الزين ابن المنيِّر على هذه الترجمة والتي بعدها بأن الجهر فيهما لا خلاف فيه، وهو عجيب؛ لأن الكتاب موضوع لبيان الأحكام من حيث هي، وليس هو مقصورًا على الخلافيات، انتهى.

وأنت خبير بأنهم إذا أجمعوا على دقائق تراجم البخاري، وعلى أن فقه الإمام في تراجمه، وأن تراجمه لا تكون مثل تراجم الكتب الأخر لمجرد إثبات الأحكام، فلا عجب في إيراد الزين ابن المنيِّر، وقد أقرّ بذلك الحافظ بمواضع من "شرحه"، وحكى العيني (٢) في "باب لا يقبل الله صدقة من غلول" عن ابن المنيِّر عادة البخاري الاستدلال بالخفي وترك الجلي.

وتقدم في الفائدة الثالثة من الفصل الثاني عن الحافظ (٣): أن الإمام البخاري رأى أنه لا يخليه من الفوائد الفقهية والنكت الحِكمية، فاستخرج بفهمه من المتون معاني كثيرة، إلى آخر ما تقدم، وحكى فيه عن الشيخ محيي الدين: ليس مقصود البخاري الاقتصار على الأحاديث فقط، بل مراده الاستنباط منها والاستدلال لأبواب أرادها، وغير ذلك من أقاويل العلماء: إن غرض البخاري من تأليفه ليس مجرد ذكر الروايات، بل غرضه دقائق الاستنباط، فالتفصِّي عندي عن إيراد الزين ابن المنيِّر أن هاتين الترجمتين ليستا بمستقلتين، بل هما تفصِّلان لما أجمل أولًا.

وهكذا ترجم أولًا "باب فرض مواقيت الحج والعمرة"، وهو جدير لشأن البخاري لعدة أبحاث في ذلك، ثم فصَّل ذلك بأبواب المواقيت للبلاد، فلا يحتاج حينئذ إلى إثبات وجه جديد لميقات أهل المدينة، أو أهل نجد، أو غير ذلك.


(١) "فتح الباري" (٢/ ٢٤٨).
(٢) "عمدة القاري" (٦/ ٣٦٨).
(٣) انظر: "هدي الساري" (ص ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>