للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حذيفة، ورجحه الحافظ (١) إذ قال: وقع ذكر جرير وحذيفة مؤخرًا عن ذكر خديجة، وفي بعضها مقدمًا وهو أليق، فإن الذي يظهر أنه أخر ذكر خديجة عمدًا لكون غالب أحوالها متعلقة بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل المبعث، فوقع له في ذلك حسن التخلص من المناقب التي استطرد من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها، فلما فرغ منها رجع إلى بقية سيرته ومغازيه، والله أعلم، انتهى.

قلت: الظاهر عند هذا العبد الضعيف: أن المصنف لما فرغ عن المناقب شرع من ههنا ذكر الواقعات المهمة من بدء المبعث، ومنها تزويجه - صلى الله عليه وسلم - خديجة - رضي الله عنها -.

أما خديجة فهي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية، أول خلق الله إسلامًا اتفاقًا، وكانت له - صلى الله عليه وسلم - وزير صدق عند ما بعث، فكان لا يسمع من المشركين شيئًا يكرهه من ردٍّ عليه وتكذيب له إلا فرَّج الله بها عنه تثبته وتصدقه، وتخفف عنه وتُهَوِّن عليه ما يلقى من قومه، واختارها الله تعالى له - صلى الله عليه وسلم - لما أراد بها من كرامته، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة، تزوجها - صلى الله عليه وسلم - وسنه خمس وعشرون سنة في قول الجمهور، وكانت قبله عند أبي هالة بن النباش بن زياد التميمي حليف بني عبد الدار، وتوفيت على الصحيح بعد النبوَّة بعشر سنين في شهر رمضان، فأقامت معه - صلى الله عليه وسلم - خمسًا وعشرين سنة، واستشكل قوله - في الترجمة -: "تزويج" بصيغة التفعيل إذ مقتضاه أن يكون التزويج لغيره، وأجيب بأن التفعيل قد يجيء بمعنى التفعل، أو المراد تزويجه - صلى الله عليه وسلم - خديجة من نفسه، انتهى من "القسطلاني" (٢).

قال الحافظ (٣): ذكر المصنف في الباب أحاديث لا تصريح فيها بما في الترجمة، إلا أن ذلك يؤخذ بطريق اللزوم من قول عائشة: "ما غرت على امرأة"، ومن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وكان لي منها ولد"، وغير ذلك، انتهى.


(١) "فتح الباري" (١/ ١٣٣).
(٢) "إرشاد الساري" (٨/ ٣٢٩).
(٣) "فتح الباري" (٧/ ١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>