للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: ١٠٨]؛ لأنه من المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقًا، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر، وهو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام، وعبَدَ فيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ربَّه آمنا، وابتدأ بناء المسجد، فوافق رأي الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم، وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} أنه أول أيام التاريخ الإسلامي، كذا قال، والمتبادر أن معنى قوله: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}؛ أي: دخل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينة، والله أعلم.

قوله: (إلا من مقدمه المدينة)؛ أي: زمن قدومه، ولم يرد شهر قدومه؛ لأن التاريخ إنما وقع من أول السنة، وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة فقال: كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة: مولده ومبعثه وهجرته ووفاته، فرجح عندهم جعلها من الهجرة؛ لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة، وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه، فانحصر في الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم؛ لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة، وهي مقدِّمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ، وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم.

وذكروا في سبب عمل عمر التاريخ أشياء، منها: ما أخرجه أبو نعيم في "تاريخه"، ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبي: أن أبا موسى كتب إلى عمر: أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس فقال بعضهم: أرخ بالمبعث، وبعضهم: أرخ بالهجرة؛ فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها. وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا قال بعضهم: ابدءوا برمضان؛ فقال عمر: بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم؛ فاتفقوا عليه. وقيل: أول من أرخ التاريخ يعلى بن أمية حيث كان باليمن، أخرجه أحمد بإسناد صحيح، لكن فيه انقطاع، وذكر روايات أخر، ثم قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>