للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عديدة، أو النهي عن أمور عديدة، يترجم لكل من ذلك ترجمةً مستقلةً تنبيهًا على استقلال كل ذلك من المأمورات أو المنهيات.

مثلًا: وَرَدَ في الحديث: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية" (١)، فترجم الإمام لكل من تلك الأمور تراجم مستقلةً، وهكذا ورد في حديث أبي سعيد الخدري: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب" (٢)، فترجم الإمام لكل من تلك ترجمةً مستقلةً غير الأقط، ولم يذكر للأقط عندي للأصل الخامس والستين، وإلا فلا وجه لتركه من الجملة الواردة في الحديث، وهكذا ترجم في "كتاب البيوع" لجميع أجزاء حديث الربا، ونظائر ذلك في "كتاب اللباس" عديدة.

وهذا آخر ما اكتفيت به من الأصول المفصَّلة رعاية لعدد السبعين المرعية في كثير من الأحاديث، وإلا فدقائق استنباطه وأصول تراجمه كثيرة غير ما تقدم، كالفرق بين المترجم له والمترجم به، كما أشار إليه الحافظ (٣) في "باب يهوي بالتكبير حين يسجد"، وكاختيار أهون الأمرين، والأخذ بالاستصحاب، وإطلاق أحد اللفظين على الآخر لغةً، كإطلاق الحيض على النفاس، وغير ذلك، يظهر لمن سهر الليالي للخوض في بحر اللآلي، ومع ذلك كم من تراجم له لا يروي الغليل ما قيل فيها من الأقاويل، وإنْ أَكثَرَ العلماءُ فيها من التعاليل، كـ "باب من بدأ بالحلاب والطيب"، و"باب فضل صلاة الفجر والحديث"، و"باب ميمنة المسجد والإمام"، وغير ذلك من التراجم الصعبة، وإن اخترعت فيها أيضًا نكات اتباعًا للأسلاف، شكر الله سعيهم وجزاهم عني وعن سائر طلبة [صحيح] البخاري أحسن الجزاء.


(١) أخرجه البخاري (ح: ١٢٩٧)، ومسلم (ح: ١٠٣).
(٢) أخرجه البخاري (ح: ١٥٠٦)، ومسلم (ح: ٩٨٥).
(٣) انظر: "فتح الباري" (٢/ ٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>