للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وذكر الإمام مالك - رحمه الله - هذه القصة في "موطئه" في الأطعمة من حديث جابر المذكور في هذا الباب، وبسط الكلام في "الأوجز" (١) في تعيين تلك الغزوة وتاريخها، وفيه: ذكر هذه الغزوة صاحب "الخميس" (٢) في سنة ثمان، فقال: وفي رجب هذه السنة كانت سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر، وهي سرية الخبط، وكان فيها ثلثمائة من المهاجرين والأنصار، منهم عمر بن الخطاب وقيس بن سعد بن عبادة، انتهى.

وذكرها ابن الجوزي في "التلقيح" (٣) بعد عمرة القضاء قبل فتح مكة، وذكرها صاحب "المجمع" (٤) في سنة ثمان، وإليه يظهر ميل البخاري، لكن مال الحافظ في موضع من "الفتح" (٥) إلى أنها في السنة الثانية إذ قال: زعم الواقدي أن هذه القصة كانت في رجب سنة ثمان، وهو عندي خطأ إلى آخر ما تقدم، ثم إلى أن قال: ثم ظهر لي الآن تقوية ذلك، أي: كونها في السنة الثانية بقول جابر في رواية مسلم: "إنهم خرجوا في غزوة بواط" فذكر فيها قصة الحوت نحو حديث الباب، وغزوة بواط كانت في السنة الثانية من الهجرة قبل وقعة بدر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في مائتين من أصحابه يعترض عيرًا لقريش، فبلغ بواطًا، وهي جبال الجهينة مما يلي الشام، بينها وبين المدينة أربعة برد، فلم يلق أحدًا فرجع، فكأنه أفرد أبا عبيدة فيمن معه يرصدون العير المذكور، ويؤيد تقدم أمرها ما ذكر فيها من القلة والجهد، والواقع أنهم في سنة ثمان اتسع حالهم بفتح خيبر وغيرها، والجهد المذكور في القصة يناسب ابتداء الأمر، فيترجح ما ذكرته، انتهى من "الفتح".

قلت: والأوجه عندي أن يقال: إنهم خرجوا ابتداء لعير قريش، ثم أفرد - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة ومن معه بعثًا إلى جهينة، فتجتمع الروايتان، وما أيَّد به الحافظ كلامه من زمان العسرة، يشكل عليه أن غزوة تبوك كانت بعد فتح


(١) "أوجز المسالك" (١٦/ ٣٨٣ - ٤٠٠).
(٢) "تاريخ الخميس" (٢/ ٧٥).
(٣) "تلقيح فهوم أهل الأثر" (ص ٧٠).
(٤) "مجمع بحار الأنوار" (٥/ ٢٨٨).
(٥) "فتح الباري" (٨/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>