للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معطوف على ما تضمنه قوله: {مَثَابَةً} كأنه قال: ثوبوا واتخذوا، أو معمول لمحذوف، أي: وقلنا: اتخذوا، ويحتمل أن يكون الواو للاستئناف.

وقال الحافظ (١) أيضًا في شرح {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ}: إن أثر قدميه في المقام كرقم الباني في البناء ليذكر به بعد موته، ولم تزل آثار قدميه حاضرة في المقام معروفة عند أهل الحرم. وفي "موطأ ابن وهب" بسنده عن أنس قال: رأيت المقام فيه أصابع إبراهيم وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم، وأخرج الطبري في "تفسيره" (٢) عن قتادة في هذه الآية: إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه، قال: ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيها فما زالوا يمسحونه حتى اخلولق وانمحى، وكان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخَّره عمر - رضي الله عنه - إلى المكان الذي هو فيه إلى الآن، أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٣) بسند صحيح عن عطاء وغيره، وأخرج البيهقي (٤) عن عائشة مثله بسند قوي ولفظه: "أن المقام كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي زمن أبي بكر ملتصقًا بالبيت ثم أخَّره عمر، وروي بسند ضعيف عن مجاهد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حوَّله، والأول أصح، وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عيينة قال: كان المقام في سقع البيت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحوَّله عمر - رضي الله عنه -، فجاء سيل فذهب به فرده عمر إليه، انتهى.

قال الحافظ: ولم تنكر الصحابة فعل عمر ولا من جاء بعدهم فصار إجماعًا وكان عمر رأى أن إبقاءه يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع به الحرج، وتهيأ له ذلك لأنه الذي كان أشار باتخاذه مصلى، وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن، انتهى.


(١) "فتح الباري" (٨/ ١٦٩).
(٢) (٢/ ٣٥).
(٣) "مصنف عبد الرزاق" (٨٩٥٣ - ٨٩٥٥).
(٤) "دلائل النبوة" (١/ ٤٤٠) رقم (٣٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>