للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكتب الشيخ في "اللامع" (١): قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ. . .} إلخ، يعني: أنهم عرفوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أنه النبي الموعود المنعوت في التوراة، وقد كان في نعته أنه يصلي إلى القبلة آخرًا ويصلي إلى بيت المقدس أول قدومه مدة كذا، فمن هذه الحيثية كان عرفانهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - عرفانًا بأمر التحويل، ولا حاجة في تصحيح إيراد هذه الرواية في هذا الباب إلى إرجاع ضمير يعرفونه إلى التحويل، فإن المرام حاصل بدونه أيضًا، فإن عرفان محمد - صلى الله عليه وسلم - بنعته عرفان لجميع ما هو من أحواله المختصة، سيما أمر التحويل، فإنه كان علامة مكتوبة، انتهى.

ثم لا يذهب عليك أن الإمام البخاري بوَّب ها هنا بعدة أبواب، وذكر فيها عدة آيات متعلقة بتحويل القبلة وذكر في أكثرها حديثًا واحدًا، وهو حديث تحويل القبلة ولم يتعرض لوجه ذلك أحد من الشرَّاح، وهذا الصنيع مثل صنيعه في تفسير سورة المنافقون، وأجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في تقريره هناك كما حكاه الشيخ المكي في تقريره إذ قال: اعلم أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة في قصَّة ابن أُبي، فغرض البخاري من تعداد آياتها وتكرار تلك القصَّة فيها دفع احتمال نزول واحدة منها في غيرها، انتهى.

وهذا التوجيه يتمشى ها هنا أيضًا، فلعل الإمام البخاري أشار ها هنا أيضًا بأن هذه الآيات كلها نزلت في قصَّة تحويل القبلة، ويؤيده ما تقدم في باب {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ. . .} إلخ، ما حكى الحافظ عن السدي أنه قال في سبب نزول هذه الآيات: أنزلت هذه الآيات من قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} إلى قوله: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} ثم رأيت الحافظين ابن حجر والعيني قد تعرضا لمثل هذا الإيراد والجواب في تفسير سورة مريم، فإن الإمام البخاري قد ترجم في تلك السورة بعدة آيات متعلقة بقصَّة العاص بن وائل وذكر في كل منها حديثًا واحدًا كما سيأتي هناك إن شاء الله تعالى.


(١) "لامع الدراري" (٩/ ٨، ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>