للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، وكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، وكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل الحر منكم بالعبد والذكر بالأنثى، فنزلت، واستدل بها المالكية والشافعية على أنه لا يقتل الحر بالعبد، لكن قال البيضاوي (١): لا دلالة فيها على أنه لا يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى كما لا تدل على عكسه، فإن المفهوم إنما يعتبر حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم، وقد بيَّنا ما كان الغرض، وإنما منع مالك والشافعي قتل الحر بالعبد سواء كان عبده أو عبد غيره لحديث: "لا يقتل حر بعبد"، رواه الدارقطني (٢).

وقال الحنفية: آية البقرة منسوخة بآية المائدة {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} فالقصاص ثابت بين العبد والحر والذكر والأنثى، ويستدلون بقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" وبأن التفاضل غير معتبر في الأنفس بدليل أن جماعة لو قتلوا واحدًا قُتِلوا به. أجيب بأن دعوى النسخ بآية المائدة غير سائغة لأنه حكاية ما في التوراة فلا ينسخ ما في القرآن، وعن الحسن وغيره: لا يقتل الرجل بالمرأة بهذه الآية، وخالفهم الجمهور وهو مذهب الأئمة الأربعة فقالوا: يقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر بالإجماع، وحينئذ فما نقله في الكشاف عن الشافعي ومالك أنه لا يقتل الذكر بالأنثى لا عمل عليه، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع" (٣): قوله: "كان في بني إسرائيل القصاص. . ." إلخ، ولا ينافيه ما ثبت أن يهود كانت الدية شائعة بينهم؛ لأن ذلك كان منهم تغييرًا لحكم الكتاب، انتهى.

وذكر في هامشه الروايات وكلام المفسرين في تأييد كلام الشيخ قُدِّس


(١) "تفسير البيضاوي" (١/ ١٠٢).
(٢) "سنن الدارقطني" (٣/ ١٣٣).
(٣) "لامع الدراري" (٩/ ١١، ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>