للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقدم الكلام على تحقيق لفظ المائدة في أول السورة، وكتب الشيخ في "اللامع" (١): قوله: "تطليقة بائنة" فإن التطليقة ليست بائنة، وإنما هي مبانة بها، فكانت صيغة الفاعل بمعنى المفعول، فالتطليقة مبانة بها كما أن المائدة مميدة بها صاحبها، انتهى.

وقد أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه فيما أفاده وإلا فعامة الشرَّاح قالوا: التمثيل غير واضح، ووافق الكرماني ما قاله الشيخ قُدِّس سرُّه، والبسط في هامش "اللامع" فارجع إليه.

قوله: (وقال ابن عباس: متوفيك مميتك) قال الحافظ (٢): هكذا ثبت ها هنا، وهذه اللفظة إنما هي في سورة آل عمران، فكأن بعض الرواة ظنها من سورة المائدة، فكتبها فيها، أو ذكرها المصنف هنا لمناسبة قوله في هذه السورة: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ} [المائدة: ١١٧]، وذكر هذين الوجهين العلَّامة العيني (٣) ونسب الوجه الثاني إلى الكرماني، ثم تعقب على القولين، فقال: هذا بعيد لا يخفى بعده، والذي قاله بعضهم أبعد منه، انتهى. ولم يجب هو بنفسه عن هذا الإشكال.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه (٤): قوله: "متوفيك مميتك" وهذا بيان لأجله متى يكون، ولا ذكر فيه للتوفي قبل الرفع حتى يلزم خلاف المشهور من أنه رفع حيًّا، والأصل أن عيسى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه لما اشتد عليه أذى الأعداء وضاق به صدره أوحى الله إليه أني مميتك فكن على صبر حتى يحل أجلك، ثم أتبعه بمزيد مَنِّه فقال: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: ٥٥] ليكون أبلغ في تحمل المشاق لقرب زمان الخلاص نسبة زمان الموت، ثم أتبعه بأخرى {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: ٥٥] حتى لا تصل إليك أدناسهم، فإن في الأول من التأخير في الخلاص ما ليس في الثاني،


(١) "لامع الدراري" (٩/ ٧٢، ٧٣).
(٢) "فتح الباري" (٨/ ٢٨٣).
(٣) "عمدة القاري" (١٢/ ٥٨٧).
(٤) "لامع الدراري" (٩/ ٧٥، ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>