للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم، قال الواقدي: أنبأنا معمر عن الزهري قال: قال حذيفة: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني مسرٌّ إليك سرًّا فلا تذكره لأحد، إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان" - رهط ذوي عدد من المنافقين - قال: فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة، فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه، ومن طريق أخرى عن جبير بن مطعم: أنهم اثنا عشر رجلًا، وقد تقدم حديث حذيفة قريبًا أنه لم يبق منهم غير رجل واحد، ولعل الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك أن الله علم أنهم يموتون على الكفر بخلاف من سواهم فإنهم تابوا.

ثم أورد المصنف حديث ابن عمر المذكور في الباب قبله من وجه آخر، وقوله فيه: "إنما خيرني الله أو أخبرني الله" كذا وقع بالشك والأول بمعجمة مفتوحة وتحتانية ثقيلة من التخيير، والثاني بموحدة من الإخبار، وقد أخرجه الإسماعيلي من الطريق الذي أخرجه البخاري من طريقه بلفظ: "إنما خيَّرني الله" بغير شك، وكذا في أكثر الروايات بلفظ التخيير، أي: بين الاستغفار وعدمه.

واستشكل فهم التخيير من الآية حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين خرّجوا الصحيح على تصحيحه، وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الاطلاع على طرقه، قال ابن المنيِّر: مفهوم الآية زلت فيه الأقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث وقال: لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاله، وبنحوه قال أبو بكر الباقلاني، وقال إمام الحرمين في "مختصره": هذا الحديث غير مخرج في "الصحيح"، قال الغزالي في "المستصفى": الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح، قال الداودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ، والسبب في إنكارهم صحته ما تقرر عندهم مما قدمناه وهو الذي فهمه عمر - رضي الله عنه - من حمل "أو" على التسوية لما يقتضيه سياق القصَّة وحمل السبعين على المبالغة، قال ابن المنيِّر: ليس عند أهل البيان تردّد أن التخصيص بالعدد في هذا السياق غير مراد، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>