للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهشام بن العاص أن نهاجر": فذكر الحديث في قصتهم ورجوع رفيقه فنزلت: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية، قال: فكتبت بها إلى هشام.

قوله: (ونزل {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}) في رواية الطبراني: "فقال الناس: يا رسول الله! إنا أصبنا ما أصاب وحشي فقال: هي للمسلمين عامة"، وروى أحمد والطبراني في "الأوسط" من حديث ثوبان قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما أحب أن لي بهذه الآية الدنيا وما فيها {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية، فقال رجل: ومن أشرك؟ فسكت ساعة ثم قال: ومن أشرك، ثلاث مرات".

قال الحافظ (١): واستدل بعموم هذه الآية على غفران جميع الذنوب كبيرها وصغيرها سواء تعلقت بحق الآدميين أم لا، والمشهور عند أهل السُّنَّة أن الذنوب كلها تغفر بالتوبة، وأنها تغفر لمن شاء الله ولو مات على غير توبة، لكن حقوق الآدميين إذا تاب صاحبها من العود إلى شيء من ذلك تنفعه التوبة من العود، وأما خصوص ما وقع منه فلا بد له من رده لصاحبه أو محاللته منه، نعم في سعة فضل الله ما يمكن أن يعوض صاحب الحق عن حقه ولا يعذب العاصي بذلك، ويرشد إليه عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] والله أعلم، انتهى.

وقال القسطلاني (٢): قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣] الكبائر وغيرها الصادرة عن المؤمنين بعد التوبة، لكن قال القاضي ناصر الدين: تقييده بالتوبة خلاف الظاهر، وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين كما هو عرف القرآن، وقال أيضًا: والذين أسرفوا عام في جميع المسرفين، ويغفر الذنوب جميعًا شامل لكبائرها وصغائرها فتغفر مع التوبة أو بدونها،


(١) "فتح الباري" (٨/ ٥٥٠).
(٢) "إرشاد الساري" (١١/ ٢٦، ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>