للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قال: إنه كذب على ابن مسعود مردود، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الروايات صحيحة والتأويل محتمل، وقد أوّله القاضي وغيره على إنكار الكتابة كما سبق، وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصريحة التي جاء فيها: "ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله" تدفع ذلك، ويمكن حمل لفظ: كتاب الله، على المصحف فيتم التأويل المذكور، انتهى.

وقوله: كما سبق، إشارة إلى ما تقدم في هامش "اللامع" أيضًا، وهو ما قال الحافظ: وقد تأول القاضي، أبو بكر الباقلاني في "كتاب الانتصار" وتبعه عياض وغيره ما حكي عن ابن مسعود فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن وأنكر إثباتهما في المصحف، فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئًا إلا إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في كتابته فيه، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك، انتهى.

قلت: بسط بحر العلوم الكلام على ذلك أشد البسط، وقال بعد نقل كلام صاحب "الإتقان" والنووي وابن حزم: فما قال الشيخ ابن حجر في شرح صحيح البخاري: أنه قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك، باطل لا يلتفت إليه، والذي صح عنه ما روى أحمد وابن حبان: أنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وإنما صح خلو مصحفه عنها، إلى آخر ما بسط في هامش "اللامع".

وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (١): وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتواتر عنده، ثم قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فإن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أثبتوهما في المصاحف ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، ولله الحمد والمنة، ثم ذكر


(١) "تفسير ابن أبي كثير" (٦/ ٥١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>