للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}) [العنكبوت: ٥١] أشار بهذه الآية إلى ترجيح تفسير ابن عيينة: يتغنى يستغني، كما سيأتي في هذا الباب عنه، وأخرجه أبو داود عن ابن عيينة ووكيع جميعًا، وقد بيَّن إسحاق بن راهويه عن ابن عيينة أنه استغناء خاص، وكذا قال أحمد عن وكيع: يستغني به عن أخبار الأمم الماضية، وقد أخرج الطبري وغيره من طريق عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: جاء ناس من المسلمين بكتب وقد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عمّا جاء به نبيهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم"، فنزل {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} الآية، وقد خفي وجه مناسبة تلاوة هذه الآية هنا على كثير من الناس كابن كثير، فنفى أن يكون لذكرها وجه، على أن ابن بطال مع تقدمه قد أشار إلى المناسبة فقال: قال أهل التأويل في هذه الآية. . . فذكر أثر يحيى بن جعدة مختصرًا، قال: فالمراد بالآية الاستغناء عن أخبار الأمم الماضية، وليس المراد الاستغناء الذي هو ضد الفقر، قال: واتباع البخاري الترجمة بالآية يدل على أنه يذهب إلى ذلك، انتهى.

وقال القسطلاني (١): قوله: "قال سفيان: تفسيره يستغني به" أي: عن غيره من الكتب السالفة، أو من الإكثار من الدنيا، وارتضى ذلك أبو عبيد في تفسيره وقال: إنه جائز في كلام العرب، واحتج بقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: من قرأ آل عمران فهو غني، وقيل: المراد به الغنى المعنوي وهو غنى النفس وهو القناعة لا المحسوس الذي هو ضد الفقر، فإن ذلك لا يحصل بمجرد ملازمة القرآن، وقال النووي: معناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء: تحسين الصوت به، انتهى.

قال الطيبي: قال الشافعي: لو كان معنى يتغنى بالقرآن على الاستغناء


(١) "إرشاد الساري" (١١/ ٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>