للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ (١): كأنه يريد أن النهي عن قوله: نسيت آية كذا وكذا، ليس للزجر عن هذا اللفظ بل للزجر عن تعاطي أسباب النسيان المقتضية لقول هذا اللفظ، ويحتمل أن ينزل المنع والإباحة على حالتين: فمن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر دين كالجهاد لم يمتنع عليه قول ذلك؛ لأن النسيان لم ينشأ عن إهمال ديني، وعلى ذلك يحمل ما ورد من ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نسبة النسيان إلى نفسه، ومن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر دنيوي ولا سيما إن كان محظورًا امتنع عليه لتعاطيه أسباب النسيان، انتهى.

قوله: (كنت أنسيتها) قال الإسماعيلي: النسيان من النبي - صلى الله عليه وسلم - لشيء من القرآن يكون على قسمين: أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب وذلك قائم بالطباع البشرية، كما قال في حديث السهو: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون"، والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٦، ٧].

قال الحافظ (٢): وفي الحديث حجة لمن أجاز النسيان على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما ليس طريقه البلاغ مطلقًا وكذا فيما طريقه البلاغ لكن بشرطين: أحدهما: أنه بعد ما يقع منه تبليغه، والآخر: أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكره إما بنفسه وإما بغيره، وهل يشترط في هذا الفور؟ قولان، فأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلًا، وزعم بعض الأصوليين وبعض الصوفية أنه لا يقع منه نسيان أصلًا وإنما يقع منه صورته ليسن، قال عياض: لم يقل به من الأصوليين أحد إلا أبا المظفر الإسفرايني، انتهى من "الفتح".


(١) "فتح الباري" (٩/ ٨٥).
(٢) "فتح الباري" (٩/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>