للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ ابن القيم: وقد تنازع الفقهاء في أوصاف الكفاءة فقال مالك في ظاهر مذهبه: إنها الدين، وفي رواية عنه: إنها ثلاثة: الدين والحرية والسلامة من العيوب، وقال أبو حنيفة: هي النسب والدين، وقال أحمد في رواية عنه: هي الدين والنسب خاصة، وفي رواية أخرى: هي خمسة: الدين والنسب والحرية والصناعة والمال، إلى آخر ما قال، وفي "البذل": ومذهب الحنفية أن الكفاءة تعتبر نسبًا فقريش أكفاء بعضهم بعضًا، وباقي العرب أكفاء بعضهم بعضًا، وحرية وإسلامًا وديانةً ومالًا، وتعتبر للنساء لا للرجال؛ لأن النصوص وردت في جانب الرجال خاصة، إلى آخر ما ذكر.

وقال القسطلاني (١): الكفاءة معتبرة في النكاح لما روى جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن من غير الأكفاء" ولأن النكاح يعقد للعمر ويشتمل على أغراض ومقاصد كالازدواج والصحبة والألفة وتأسيس القرابات، ولا ينتظم ذلك عادة إلا بين الأكفاء، وقد جزم مالك رحمه الله تعالى بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين، لقوله عليه الصلاة والسلام: "الناس سواء لا فضل لعربي علي عجمي، إنما الفضل بالتقوى" وقال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] وأجيب بأن المراد في حكم الآخرة وكلامنا في الدنيا، انتهى.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع" (٢): قوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} إيراد الرواية في هذا الباب مع إيراد الآية قبلها إشارة منه إلى أن المناكحة جائزة فيما بين من ليسوا أكفاء إلا أن اعتبار الكفوء والنسب أفضل؛ لأن الله تعالى مدح بالنسب فلا يخلو اعتباره عن مصالح وفوائد وإن لم يكن أمرًا لا بد له منه، كيف وقد أنكح أبو حذيفة سالمًا وكان مولاه بنت أخيه هند، وكذلك ضباعة كانت تحت المقداد، وكذلك الأمر في


(١) "إرشاد الساري" (١١/ ٤١٤).
(٢) "لامع الدراري" (٩/ ٢٥٨ - ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>