بالمشركات هنا عبدة الأوثان والمجوس، حكاه ابن المنذر وغيره، ثم أورد المصنف فيه قول ابن عمر في نكاح النصرانية وهذا مصير منه إلى استمرار حكم عموم آية البقرة فكأنه يرى أن آية المائدة منسوخة، وبه جزم إبراهيم الحربي وردّه النحاس وحمله على التورع كما سيأتي، وذهب الجمهور إلى أن عموم آية البقرة خص بآية المائدة وهي قوله:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة: ٥] فبقي سائر المشركات على أصل التحريم، وأطلق ابن عباس أن آية البقرة منسوخة بآية المائدة، وقد قيل: إن ابن عمر شذ بذلك فقال ابن المنذر: لا يحفظ عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، انتهى.
لكن أخرج ابن أبي شيبة بسند حسن أن عطاء كره نكاح اليهوديات والنصرانيات، وقال: كان ذلك والمسلمات قليل وروي عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن، وقيل: إن هذا مراد ابن عمر لكنه خلاف ظاهر السياق لكن الذي احتج به ابن عمر يقتضي تخصيص المنع بمن يشرك من أهل الكتاب لا من يوحّد، وقد فصل كثير من العلماء كالشافعية بين من دخل آباؤها في ذلك الدين قبل التحريف أو النسخ أو بعد ذلك، وهو من جنس مذهب ابن عمر بل يمكن أن يحمل عليه، وذهب الجمهور إلى تحريم النساء المجوسيات، وجاء عن حذيفة أنه تسرى بمجوسية، أخرجه ابن أبي شيبة وأورده أيضًا عن سعيد بن المسيب وطائفة، وبه قال أبو ثور، وقال ابن بطال: هو محجوج بالجماعة والتنزيل، وأجيب بأنه لا إجماع مع ثبوت الخلاف عن بعض الصحابة والتابعين.
وأما التنزيل فظاهره أن المجوس ليسوا أهل كتاب، لقوله تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا}[الأنعام: ١٥٦] لكن لما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الجزية من المجوس دل على أنهم أهل كتاب، فكان القياس أن تجري عليهم بقية أحكام الكتابيين لكن أجيب عن أخذ الجزية من المجوس انهم اتبعوا فيهم الخير ولم يرد مثل ذلك في النكاح والذبائح، وسيأتي