للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال النووي في "شرح مسلم" (١) تحت حديث الباب: وهذا الحديث صريح في الدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أنه يجوز لبس الحرير للرجل إذا كانت به حكّة لما فيه من البرودة، وكذلك للقمل وما في معنى ذلك، وقال مالك: لا يجوز، وهذا الحديث حجة عليه، وفي هذا الحديث دليل لجواز لبس الحرير عند الضرورة، كمن فاجأته الحرب، ولمن خاف من حر أو برد أو نحوها ولم يجد غيره، ثم الصحيح عند أصحابنا والذي قطع به جماهيرهم أنه يجوز لبس الحرير للحكة ونحوها في السفر والحضر جميعًا، وقال بعض أصحابنا: يختص بالسفر وهو ضعيف، انتهى.

وقال ابن قدامة في "المغني" (٢): فإن لبس الحرير للقمل أو الحكة أو مرض ينفعه لُبسُ الحرير جاز في إحدى الروايتين، ثم ذكر حديث الباب، وقال: وما ثبت في حق صحابي ثبت في حق غيره ما لم يقم دليل التخصيص، والرواية الأخرى: لا يباح لُبسه للمرض لاحتمال أن تكون الرخصة خاصة لهما وهو قول مالك، والأول أصح إن شاء الله، والتخصيص على خلاف الأصل، انتهى.

ولم أجد الكلام على هذه المسألة مشبعًا في فروع الحنفية، وفي "البحر" (٣) وفي "التتارخانية": وإنما يكره اللبس إذا لم تقع الحاجة في لُبس، فلو كان به جرب أو حكة كثيرًا ولا يجد غيره لا يكره لبسه، انتهى.

وهكذا حكى ابن عابدين (٤) عن "التتارخانية" بزيادة حديث الباب في الاستدلال، ثم قال: أقول: لكن صرّح الزيلعي قبيل الفصل الآتي أنه - عليه السلام - رخص ذلك خصوصية لهما، تأمل، انتهى.

قلت: وكذا حمل حديث الباب على الخصوصية أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (٥) تحت قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣]،


(١) "شرح النووي" (٧/ ٣٠٢).
(٢) "المغني" (٢/ ٣٠٦).
(٣) "البحر الرائق" (٨/ ٢١٦).
(٤) "ردّ المحتار" (٩/ ٥١١).
(٥) "أحكام القرآن" (٢/ ٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>