للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عمر إلى إباحة ذلك، وبه قال مالك وأكثر فقهاء المدينة، إلى آخر ما ذكر، وفي "المحلى": روى الشيخان عن أنس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - هي أن يتزعفر الرجل" وبه قال أبو حنيفة والشافعي والجمهور: أنه يكره تحريمًا لبس الثوب المزعفر، قال ابن الهمام: وإنما عملوا بالنهي مع معارضة أخبار الإباحة تقديمًا للمحرم على المبيح، انتهى من "الأوجز".

وأما حكم الثوب المعصفر وإن لم يتعرض له البخاري فنحن نذكره تتميمًا للفائدة وتكميلًا لها، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليّ ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها" وفي رواية فقال: "أأمك أمرتك بهذا؟ قلت: أغسلهما؟ قال: بل أحرقهما".

قال النووي (١): اختلف العلماء في الثياب المعصفرة وهي المصبوغة بعصفر، فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك، لكنه قال: غيرها أفضل منها، وفي رواية عنه أنه أجاز لبسها في البيوت وأفنية الدور، وكرهه في المحافل والأسواق ونحوها، وقال جماعة من العلماء: هو مكروه كراهة تنزيه، وحملوا النهي على هذا؛ لأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس حلة حمراء، وفي "الصحيحين" عن ابن عمر قال: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة" وقال الخطابي: النهي منصرف إلى ما صبغ بعد النسج، فأما ما صبغ غزله ثم نسج فليس بداخل في النهي، وحمل بعض العلماء النهي هنا على المحرم بالحج أو العمرة، ثم ذكر النووي عن الإمام البيهقي ما تقدم في الباب السابق، وحاصله ترجيح تحريم المعصفر للأحاديث الواردة فيه.

قلت: وما حكى النووي من مذهب أبي حنيفة إباحة المعصفر ليس بصحيح، ففي "الدر المختار" (٢): كره لبس المعصفر والمزعفر للرجال، انتهى.


(١) "شرح النووي على صحيح مسلم" (٧/ ٣٠٤).
(٢) "ردّ المحتار" (٩/ ٥١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>