للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهي مخصوص بمن لم يكن لهجره سبب مشروع، فبيَّن ههنا السبب المسوغ للهجر، وهو لمن صدرت منه معصية، فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكفّ عنها، قال المهلب: غرض البخاري في هذا الباب أن يبين صفة الهجران الجائز وأنه يتنوع بقدر الجرم، فمن كان من أهل العصيان يستحق الهجران بترك المكالمة كما في قصة كعب وصاحبيه، وما كان من المغاضبة بين الأهل والإخوان فيجوز الهجر فيه بترك التسمية مثلًا أو بترك بسط الوجه مع عدم هجر السلام والكلام، وقال الطبري: قصة كعب أصل في هجران أهل المعاصي، وقد استشكل كون هجران الفاسق أو المبتدع مشروعًا، ولا يشرع هجران الكافر وهو أشدّ جرمًا منهما، وأجاب ابن بطال بأن لله أحكامًا فيها مصالح للعباد، وهو أعلم بشأنها وعليهم التسليم لأمره فيها، فجنح إلى أنه تعبّد لا يعقل معناه، وأجاب غيره بأن الهجران على مرتبتين: الهجران بالقلب، والهجران باللسان، فهجران الكافر بالقلب وبترك التودد والتعاون والتناصر، وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره بخلاف العاصي المسلم، انتهى.

وفي هامش "اللامع" (١): اعلم أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى ترجم للهجرة ببابين: الأول في النهي عن الهجرة لأمر دنيوي، والثاني في جوازها لأمر ديني، لكن يشكل إدخال حديث عائشة في هذا الباب.

قال الكرماني: فإن قلت: كيف طابق الحديث الترجمة ولا معصية ثمة؟ قلت: لعل البخاري أراد قياس هجران الشخص للأمر المخالف للشريعة على هجران اسمه للأمر المخالف للطبيعة، قال ابن بطال: غرضه بيان صفة الهجران الجائز، وأن ذلك متنوع على قدر الأسباب، فما كان لمعصية ينبغي هجره مطلقًا كما في حديث كعب، وما كان (٢) لمعاتبة بين


(١) "لامع الدراري" (١٠/ ٢٤).
(٢) في الأصل: "قال" بدل "كان"، وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>