للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في "الأدب المفرد" (١) من طريق علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: "كنت جالسًا عند معاوية فحدث نفسه ثم انتبه فقال: لا حليم إلا ذو تجربة، قالها ثلاثًا"، وأخرج من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "لا حليم إلا ذو عشرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة"، وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان، قال ابن الأثير: معناه لا يحصل الحلم حتى يرتكب الأمور ويعثر فيها، فيعتبر بها ويستبين مواضع الخطأ ويجتنبها، وقال غيره: المعنى لا يكون حليمًا كاملًا إلا من وقع في زَلّة، وحصل منه خطأ فحينئذٍ يخجل، فينبغي لمن كان كذلك أن يستر من رآه على عيب فيعفو عنه، وكذلك من جرَّب الأمور علم نفعها وضررها، فلا يفعل شيئًا إلا عن حكمة، انتهى.

قال الكرماني (٢): قوله: "لا يلدغ المؤمن" الحديث، قال الخطابي: "لا يلدغ" خبر ومعناه أمر، يقول: ليكن المؤمن حازمًا حذرًا لا يؤتى عن ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا، وقد يرويه بعضهم: "لا يلدغ" بكسر الغين في الوصل فيتحقق معنى النهي فيه، انتهى.

قال القسطلاني (٣): نقل النووي عن القاضي عياض: سبب هذا الحديث معروف وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - أسر أبا عزة الشاعر يوم بدر، فمنّ عليه وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه فأطلقه، فلحق بقومه ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أُحد فسأله المنّ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يلدغ المؤمن" الحديث، وذكر القسطلاني أيضًا الخلاف في أن هذا القول مثل قديم تمثل به النبي - صلى الله عليه وسلم - أو هو أول من تكلم به فارجع إليه لو شئت.

وفي "فيض الباري" (٤): قوله: "لا يلدغ المؤمن. . ." إلخ، يعني: من شأن المؤمن أن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، فكأنه يكون معتبرًا


(١) "الأدب المفرد" (ص ١٩٥)، (رقم ٥٦٤).
(٢) "شرح الكرماني" (٢٢/ ٨).
(٣) "إرشاد الساري" (١٣/ ١٦٣، ١٦٤).
(٤) "فيض الباري" (٦/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>