للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه أيضًا عن الكرخي: أو المراد لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني في حياتي، كما فعل الشيطان الذي لبنس خاتمي وجلس على كرسيي، أو أن الله علم أنه لا يقوم غيره مقامه بمصالح ذلك المُلك، واقتضت حكمته تعالى تخصيصه به فألهمه سؤاله، فلا يرد كيف قال سليمان ذلك مع أنه يشبه الحسد والبخل بنعم الله تعالى على عبيده بما لا يضر سليمان، انتهى.

قلت: وقد أخرج أبو داود (١) في "كتاب اللباس" عن أبي هريرة: "أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان رجلًا جميلًا، قال: يا رسول الله! إني رجل حُبِّبَ إِليّ الجمال، وأعطِيتُ منه ما تراه، حتى ما أُحِبّ أن يفوقني أحد - إما قال: بشراك نعلي، وإما قال: بشسع نعلي - أفمن الكبر ذلك؟ قال: لا، ولكن الكبر من بَطِرَ الحقَّ، وغَمِطَ الناس".

أو يقال: إن مورد الحديث هم المؤمنون، وقصد بالحديث التوجيه إلى اختيار طريق الألفة، وذلك إنما يحصل إذا كان في القلب أن الرجل يساويه في الاستحقاق، وأما إذا تنافس الناس في استحصال الفواضل أدى ذلك إلى التحاسد والتباغض والاختلاف، وأما سليمان فكان نبيًّا لا يساوقه أحد، فطلبه هذه المرتبة العليَّة لا يكون سبب المنافسة المنافرة.

(عن حسين) عطف على شعبة؛ كأنه قال: عن شعبة وحسين كلاهما عن قتادة، وأفردهما تبعًا لشيخه، كذا في "القسطلاني" (٢).

قلت: أو لأن الأول مُعَنْعَنٌ، والثاني بالتحديث، لكن لم يكن على هذا الذكر عن أنس في الأول فائدة، لكن الإمام البخاري لا يبالي بأمثال ذلك، وهذا من وظائف مسلم وأبي داود.

(لا يؤمن أحدكم. . .) إلخ، هذا أيضًا من الأحاديث الأربعة المنتخبة لأبي داود تبعًا للإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعالى كما تقدم في حديث: "إنما الأعمال بالنيات".


(١) "سنن أبي داود" (ح: ٤٠٩٢).
(٢) "إرشاد الساري" (١/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>