للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعرفة، وتمامه في هامش "اللامع" (١).

وقال القسطلاني (٢) في آخر الباب السابق: لما كان الفرار من الفتن لا يكون إلا على قدر قوة دين الرجل وهي تدل على قوة المعرفة شرع بذكر ذلك فقال: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -. . . إلخ.

وظاهر كلام الكرماني أن الغرض رد على الكرَّامية القائلة بأن الإيمان هو النطق فقط.

وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع": اعلم أن العلم نوعان: كسبي: وهو حاصل بالاختيار وغيره، وهو الواقع في القلب بالاضطرار، والمعتبر في الإيمان من التصديق ما كان اختيارًا منه، لا ما وقع في القلب ضرورةً وليس كسبًا له، وهو المعبَّر عنه في قوله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٦].

والكسبي هو الممدوح عليه، فهو المراد في قوله: "أنا أعلمكم بالله"، ولا ريب في أنه فعل القلب لثبوت المؤاخذة عليه بالآية، فكان حاصل الترجمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أثبت لنفسه الأعلمية، والعلم هو الإيمان، ثبت التفاوت بين أفراد الإيمان والمؤمنين، ولما كان الإيمان هو الكسبي من العلم لا مطلقه احتج عليه بالآية، فإن المؤاخذة لما لم تكن إلا على الأفعال الاختيارية كان المأمور به هو العلم الكسبي لا العلم الضروري، وهو المراد في الرواية؛ لأنه مذكور في معرض المدح، ولا مدح إلا على الاختياري.

وأيضًا ففي قوله: "أتقاكم" حجة أخرى على قَبول الإيمان الزيادة والنقصان؛ لأن التقوى هو الإيمان، أو لأن التقوى اجتناب السيئات، وهو داخل في الإيمان، فكان التفاوت فيه بالزيادة والنقصان تفاوتًا بهما في الإيمان لما أن الكل يتصف بالتغير إذا تغيرت أجزاؤه، وبسط في هامش "اللامع" في شرح ما ذكر الشيخ، وفيه: يشكل على المصنف إيراد هذا الباب في كتاب الإيمان، وكان حقه كتاب العلم.


(١) "لامع الدراري" (١/ ٥٥٦).
(٢) "إرشاد الساري" (١/ ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>