للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقدم أيضًا ما قال الحافظ (١) من أن بينهما تغايرًا من جهة أن قوله في الأول: "غائبًا عنه" حال من المأمور وهو الذي يقيم الحد، وفي الآخر حال من الذي يقام عليه الحد، انتهى.

لكن فيه أن المذكور تحت الترجمتين حديث واحد، ويظهر من كلام القسطلاني (٢) أنه فرّق بينهما بأن جعل الترجمة الأولى عامة حيث قال هناك: حال كون الغير أو المقام عليه الحد غائبًا عنه، وقال ههنا: "باب هل يأمر الإمام رجلًا فيضرب الحد" رجلًا وجب عليه حال كونه "غائبًا عنه" أي: عن الإمام بأن يقول له: اذهب إلى فلان الغائب فأقم عليه الحد، انتهى.

فجعل قوله: "غائبًا" حالًا عن المقام عليه الحد.

والظاهر عند هذا العبد الضعيف في الفرق بين الترجمتين من حيث إن الآمر ههنا الإمام بخلاف ما سبق، والاستدلال في الترجمة السابقة بأول الحديث وههنا بآخره، ثم رأيت "الفيض" (٣) فإذا فيه: المقصود في تلك الترجمة بيان أن الإمام هل له ولاية على تولية غيره لإقامة الحد؟ وكان المقصود فيما سبق هو حال الغير، أي: هل للغير إقامة الحد عند غيبوبة الإمام إذا كان ولّاه عليها، ولذا لَفّ الفاعل ههنا، ولم يصرح أن الآمر من هو، وإن كان الآمر في الخارج هو الإمام، إلا أن الغرض فيه لم يكن إلا حال المأمور، بخلافه في تلك الترجمة، فإن المحط بيان حال الإمام، ولذا صرّح به، وقال: وهل يأمر الإمام، وحينئذٍ يختلف الجواب فيهما أيضًا، فجواب الترجمة السابقة أنه يجوز للغير إقامة الحد إذا كان الإمام أمره به، كما أقامه أنيس في قصة العسيف، وجواب تلك الترجمة أن للإمام ولايةً لتولية الغير عليها، كما ولّى النبي - صلى الله عليه وسلم - على إقامة الحد، انتهى.

ثم البراعة عندي في قوله: "فارجمها فرجمها" (٤).


(١) "فتح الباري" (١٢/ ١٦٠).
(٢) "إرشاد الساري" (١٤/ ٢٩١ - ٣١٧).
(٣) "فيض الباري" (٦/ ٣٧٣).
(٤) "لامع الدراري" (١/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>