للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان هو العمل، فغرض الترجمتين إثبات التلازم والعلاقة من الطرفين، أو دفع ما يتوهم من العطف في نحو قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [التين: ٦].

وقال القسطلاني (١) تحت قوله تعالى: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: ٦١] أي: فليؤمن المؤمنون لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الانصرام، وهذا يدل على أن الإيمان هو العمل كما ذهب إليه المصنف، لكن اللفظ عام ودعوى التخصيص بلا برهان لا تقبل، نعم إطلاق العمل على الإيمان صحيح من حيث إن الإيمان هو عمل القلب، لكن لا يلزم من هذا أن يكون العمل من نفس الإيمان، وغرض البخاري من هذا الباب وغيره إثبات أن العمل من أجزاء الإيمان ردًّا على من يقول: إن العمل لا دخل له في ماهية الإيمان، فحينئذ لا يتم مقصوده على ما لا يخفى، وإن كان مراده جواز إطلاق العمل على الإيمان فلا نزاع فيه؛ لأن الإيمان عمل القلب وهو التصديق، انتهى.

وقال السندهي (٢): لما ورد في مواضع من كتاب الله تعالى عطف العمل على الإيمان، والعطف للمغايرة، توهم أن الإيمان لا يطلق عليه اسم العمل شرعًا، فوضع هذا الباب لإثبات أن اسم العمل شرعًا يشمل الإيمان، واستدل عليه بقوله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ} الآية [مريم: ٦٣]، لا بناءً على أن معنى {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}: تؤمنون، فإنه بعيد، بل بناءً على أن الإيمان هو السبب الأعظم في دخول الجنة، فلا بد من شمول {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} له، وكذا قول عدة أهل العلم لبيان شمول العمل لقول: لا إله إلا الله، على معنى: أي حتى عن قول لا إله إلا الله، لا لبيان اقتصار العمل، والمراد - والله تعالى أعلم - عما كانوا يعملون فعلًا وتركًا، فيشمل السؤال من قال ومن ترك، وكذا قوله: {لِمِثْلِ هَذَا}. . . إلخ، العمل فيه يشمل الإيمان، لا أن المراد به الإيمان فقط.


(١) "إرشاد الساري" (١/ ١٨٦).
(٢) "حاشية السندي" (١/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>