للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جملتها ما قالوا: إنه لم يوجد ههنا معنى السبّ والطعن، بل هو دعاء عليه بالموت، ولكن على هذا يشكل مطابقة الحديث بترجمة الباب كما لا يخفى، ولو قلنا: إنّ البخاري اختار في هذه المسألة مسلك الحنفية فلا يرد شيء من الإيراد على عدم تعرضه - صلى الله عليه وسلم - لهذا اليهودي ولا من حيث مطابقة الحديث بالترجمة فتدبر.

وأما مسألة سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فخلافية بين العلماء.

قال الحافظ (١): قال ابن بطال (٢): اختلف العلماء فيمن سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك: يقتل إلا أن يسلم، وأما المسلم فيقتل بغير استتابة، ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي وأحمد وإسحاق مثله في حق اليهودي ونحوه، وعن مالك في المسلم: هي ردة يستتاب منها، وعن الكوفيين: إن كان ذميًا عزر، وإن كان مسلمًا فهي ردة، انتهى.

قلت: وتحقيق مذاهب الأئمة الأربعة في هذه المسألة على ما في كتب فروعهم هكذا، أما مسلك الشافعية ففي "شرح الإقناع" (٣) وحاشيته في ذكر أسباب الردة: أو كذب رسولًا أو نبيًا أو سبّه أو استخف به أو باسمه إلى أن قال: ومن ارتد عن دين الإسلام بشيء مما تقدم بيانه استتيب وجوبًا قبل قتله ثلاثة أيام، فإن تاب صحّ إسلامه وترك وإلا قتل، انتهى.

قلت: وهذا في المسلم، وأما في حق الذمي ففيه أيضًا في موضع آخر (٤): فلو خالفوا - الشرائط المذكورة - فطعنوا في دين الإسلام أو في القرآن أو ذكروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما لا يليق بقدره العظيم عزّروا، والأصح أنه إن شرط انتقاض العهد بذلك انتقض وإلا فلا، انتهى.


(١) "فتح الباري" (١٢/ ٢٨١).
(٢) "شرح ابن بطال" (٨/ ٥٨٠).
(٣) "شرح الإقناع" (٢/ ٢٤٧).
(٤) "شرح الإقناع" (٢/ ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>