للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الجواب عما أورده الإمام البخاري على الحنفية بقوله: "وبه قال بعض الناس. . ." إلخ، فأجاب عنه العيني (١) بأنه إن أراد ببعض الناس الحنفية فمذهبهم ليس كذلك، فإن مذهبهم أن شخصًا إذا أكره على بيع ماله أو هبته لشخص ونحو ذلك، فباع أو وهب، ثم زال الإكراه فهو بالخيار إن شاء أمضى هذه الأشياء، وإن شاء فسخها، انتهى.

وفي "تقرير مولانا محمد حسن المكي" عن القطب الكَنكَوهي: لما كان عدم الجواز عند الإمام البخاري بمعنى البطلان وعدم الانعقاد أورد عليهم بأنهم يقولون بعدم الجواز، ثم إن المشتري لو أعتقه أو دبّره فهو جائز، وهذا عجيب، قلنا: عدم الجواز عندنا قد يجيء بمعنى البطلان، وقد يجيء بمعنى الفساد، وهو الانعقاد مع لزوم الفسخ، وهو ههنا بمعنى الفساد، فإن بيع المكره عندنا فاسد وليس بباطل، والبيع الفاسد إذا انضم إليه القبض يفيد الملك، وإن كان ناقصًا قابلا للفسخ، فإذا تصرف فيه بما لا يمكن فسخه يتم الملك وينفذ التصرف، انتهى من هامش "اللامع" (٢).

قال العلامة السندي (٣) تحت قول البخاري: وقال بعض الناس: حاصل كلام الحنفية أن بيع المكره منعقد إلا أنه بيع فاسد لتعلق حق العبد به، فيجب توقفه إلى إرضائه، إلا إذا تصرف فيه المشتري تصرفًا لا يقبل الفسخ، فحينئذٍ قد تعارض فيه حقان كل منهما للعبد، حق المشتري وحق البائع، وحق البائع يمكن استدراكه مع لزوم البيع بإلزام القيمة على المشتري، بخلاف حق المشتري، فلا يمكن استدراكه مع فسخ البيع مع أنه حق لا يقبل الفسخ، فصار اعتباره أرجح بخلاف ما إذا كان تصرفًا يقبل الفسخ، فيجب مراعاة حق البائع عندهم، وهذا الفرق منهم مبني على أن بيع المكره منعقد مع الفساد، وهم يقولون به، فالنزاع معهم في هذا الأصل، وبعد تمامه أو تسليمه، فالفرق مقارب غير بعيد نظرًا إلى القواعد، والله تعالى أعلم، انتهى.


(١) "عمدة القاري" (١٦/ ٢٣٠).
(٢) "لامع الدراري" (١٠/ ٢٠٤، ٢٠٥).
(٣) "صحيح البخاري بحاشية السندي" (٤/ ٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>