للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأقوال في تحقيق الرؤيا، ثم قال: قال المازري: كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا.

وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة؛ لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالعقل، وهم لا يصدقون بالسمع، فاضطربت أقواله: فمن ينتمي إلى الطب ينسب جميع الرؤيا إلى الأخلاط، فيقول: من غلب عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء، ونحو ذلك لمناسبة الماء طبيعة البلغم، ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو، ومن ينتمي إلى الفلسفة، [يقول:] إن صورة ما يجري في الأرض هي في العالم العلوي كالنقوش، فما حاذى بعض النقوش منها انتقش فيها، قال: وهذا أشدّ فسادًا من الأول، لكونه تحكمًا لا برهان عليه، والانتقاش من صفات الأجسام، وأكثر ما يجري في العالم العلوي الأعراض، والأعراض لا ينتقش فيها، قال: والصحيح ما عليه أهل السُّنَّة أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان، فإذا خلقها فكأنه جعلها علمًا على أمور أخرى يخلقها في ثاني الحال، ومهما وقع منها على خلاف المعتقد فهو كما يقع لليقظان، ونظيره أن الله خلق الغيم علامة على المطر، وقد يتخلف، وتلك الاعتقادات تقع تارة بحضرة الملك فيقع بعدها ما يَسُرّ، أو بحضرة الشيطان فيقع بعدها ما يَضُرُّ، والعلم عند الله تعالى.

ثم بعد ما بسط الحافظ الكلام في تحقيق الرؤيا قال: ثم جميع المرائي تنحصر على قسمين: الصادقة: وهي رؤيا الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين، وقد تقع لغيرهم بندور، وهي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم. والأضغاث: وهي لا تنذر بشيء، وهي أنواع: الأول: تلاعب الشيطان ليحزن الرائي، كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه، أو رأى أنه واقع في هول ولا يجد من ينجده ونحو ذلك، الثاني: أن يرى أن بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات مثلًا ونحوه من المحال عقلًا، الثالث: أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه فيراه كما هو في المنام، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>