للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قد اختلف في ذلك مشايخنا الدهلوية على ثلاثة أقوال: الأول: قول الشاه رفيع الدين قُدِّس سرُّه: أن من رآه - صلى الله عليه وسلم - على هيئته المعروفة بلا تغير أصلًا فهو مصداق الحديث، حتى إن لو في لحيته - صلى الله عليه وسلم - كانت عشرون شعرة بيضاء وهو رأى إحدى وعشرين مثلًا فلم يره - صلى الله عليه وسلم -، ووجه ذلك أن الصحابة الذين حكوا رؤياهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت الصحابة يسألونهم عن صفة رؤياهم، فإذا طابقت صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي رأوها صدقوا الرؤيا وإلا كذبوا، والثاني: قول شيخ المشايخ عبد العزيز نوّر الله مرقده: أن رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في أيّ هيئة كانت كانت رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في الواقع ونفس الأمر إذا شهد قلب الرائي في الرؤيا أنه - صلى الله عليه وسلم -، والقول الثالث: قول الشاه محمد إسحاق المهاجر المكي: أنه رؤيته - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت في هيئة أتقياء زمانه، فهو رؤيا حق وإلا فلم يره - صلى الله عليه وسلم -، انتهى معرّبًا وملخصًا من كتاب "أرواح ثلاثة".

ثم إنه قد يختلج ههنا إشكال أشار إليه وإلى الجواب عنه الشيخ الكَنكَوهي في "اللامع" (١) حيث قال: ولعل الوجه في أن الشيطان لا يتكوّن بصورته - صلى الله عليه وسلم -، ويقدر على تخييل الرائي صورة الرب تبارك وتعالى أنه - صلى الله عليه وسلم - رحمة محضة وهداية بحتة فلا يقدر الشيطان أن يتصور به؛ لكونه إضلالًا محضًا وغواية صرفة بخلاف الرب سبحانه، فإن ذاته تعالى قد اندمجت فيها جملة صفات الجلال والجمال، فمنه الهداية والرشاد، ومنه الإبعاد والإضلال، فلكل صفة من الصفات ومنها الإضلال انتسابًا إليه، فلم يكن بينهما غاية البعد كما كان ههنا، انتهى.

ثم ههنا اختلاف آخر وهو إمكان رؤيته - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته في الدنيا في اليقظة، وهو بحث طويل ذكرها الشيخ ابن حجر المكي في "الفتاوى الحديثية" (٢)، وللسيوطي فيه رسالة "تنوير الحلك في رؤية النبي والملك"، وقد وقع لكثير من المشايخ كما ذكر بعضها الشعراني في "الميزان".


(١) "لامع الدراري" (١٠/ ٢٤٠ - ٢٤٢).
(٢) "الفتاوى الحديثية" (ص ٣٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>