للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحدود لأنه لا يقدر على استيفاء الجميع بنفسه، فلو لم يجز الاستخلاف لتعطلت الحدود، ثم الاستخلاف نوعان: تنصيص وتولية، أما التنصيص فهو أن ينصّ على إقامة الحدود، فيجوز للخليفة إقامتها بلا شك، وأما التولية فعلى ضربين: عامة وخاصة، فالعامة هي أن يولي رجلًا ولاية عامة، مثل إمارة إقليم أو بلد عظيم، فيملك المولى إقامة الحدود وإن لم ينص عليها، والخاصة أن يولي رجلًا ولايةً خاصةً مثل جباية الخراج ونحو ذلك، فلا يملك إقامة الحدود؛ لأن هذه التولية لم تتناول إقامة الحدود، انتهى ملخصًا.

فحديث معاذ في قتل المرتد لا يخالف الحنفية؛ لأن أبا موسى ومعاذًا كانا أميرين على اليمن، وهو بلد عظيم، ولذا قال النووي في "شرح مسلم" (١) تحت حديث معاذ هذا: قال القاضي عياض: وفيه أن لأمراء الأمصار إقامة الحدود في القتل وغيره، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والعلماء كافة إلى آخر ما قال.

وأما عمال السواد والمياه فيجوز لهم إقامة الحد عند الشافعي، ورواية عن مالك كما تقدم في كلام الحافظ، ولا يجوز لهم إقامة الحد عندنا الحنفية كما تقدم النقل بذلك عن الطحاوي، فاستدلال بعض شرَّاح البخاري مثل الحافظ وتبعه القسطلاني على أنه يجوز لعمال السواد إقامة الحدود، فهذا الاستدلال كما ترى ليس في محله، وأيضًا فإن حديث الباب في قتل المرتد، وأحكام المرتد يغاير أحكام الحدود، فإن قتل المرتد عندنا أيضًا غير مفوض إلى الإمام كما في "حاشية ابن عابدين" بخلاف إقامة حد الرجم فإنه مفوض إليه أو إلى نائبه، فتدبر وتشكر، فهذا غاية توضيح للمقام.

وفي الحديث الأول قد استشكلت مطابقة الحديث للترجمة، فأشار الكرماني إلى أنها تؤخذ من قوله: "دون الحاكم" لأن معناه "عند"، وهذا


(١) "شرح صحيح مسلم" (٦/ ٤٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>