للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: يمكن تحققه في الكتب، فإن زادت الكتب عند رجل على قدر حاجته يؤثر به بعض أصحابه، وكذا في الانتفاع بالشيخ، فإذا بلغ الرجل مبلغ الشيخ، أو قضى حاجته منه، يتركه حتى ينتفع به غيره، ولا يشغله عن انتفاع الغير به مثلًا، انتهى.

وعليه حمله شيخ الهند في "تراجمه" إذ قال ما تعريبه: قد سبقت هذه الترجمة بعينها في بداية "كتاب العلم"، ولذا قال الشرَّاح: إن الفضل له معنيان: الأول: الفضيلة، والثاني: الفاضل عن الحاجة، والمراد في الباب الأول المعنى الأول، وفي الثاني المعنى الثاني، وقد زال بذلك توهم التكرار.

ولكن اختلف كلام العلماء في التطبيق بين مقصود الترجمة والحديث، والراجح عندنا أن غرض المؤلف من الترجمة هو بيان حكم العلم الزائد عن الحاجة، فمثلًا: المفلس المعذور الضعيف الذي لا يستطيع على الزكاة والحج والجهاد من العبادات، وعلى المزارعة والمساقاة والرهن ونحوه من المعاملات، فلا يظن أنه يمكنه في المستقبل الوقوع فيها، فمثل هذا الشخص ما حكم تعلمه بهذه العلوم؟ وهل صرف الأوقات في تعلم ذلك والسفر لأجله داخل في العبادة أم فيما لا يعني؟ فظهر من الرواية أنه داخل في النوع الأول، غاية مما في الباب أنه لا يعمل عليها بنفسه بل يعطيها لغيره بالتعليم والتبليغ كما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - العلم الزائد عن حاجته لعمر - رضي الله عنه -، انتهى.

قلت: ويؤيد ذلك ما في "ابن ماجه" (١) من حديث أبي ذر مرفوعًا: "لأن تغدو فتعلَّم بابًا من العلم، عُمل به أو لم يُعمل، خير من أن تصلي ألف ركعة"، ويحتمل عندي أيضًا أن يكون الغرض من الترجمة الترغيب في زيادة العلم لا الاكتفاء على قدر الحاجة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يشرب اللبن بقدر


(١) "سنن ابن ماجه" (ح: ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>