للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وهذا الأصل الذي ذكره الحافظ أصلٌ مطَّرد من أصول الإمام، كما تقدم في الأصل الخامس والثلاثين، لكن الأوجه عندي ههنا أن المصنف أشار بذكر الروايات الواردة إلى استحبابها، كما اختاره شيخ الهند في "تراجمه" إذ قال: لما كانت الكتابة مما لا بد منها لبقاء العلم وحفظه وإشاعته نبّه المصنف بالترجمة إلى استحسانها، بل رغَّب العلماء إلى الكتابة إشارة، انتهى.

وقال شيخ المشايخ في "تراجمه" (١): غرض المصنف أن كتابة الحديث وإن كانت ممنوعة في عهده - صلى الله عليه وسلم - كيلا يختلط بالقرآن غيره، أو لئلا يتَّكل الناس على الكتابة من الحفظ، ثم شاع التدوين والتأليف، فله أصل في الحديث وقصص الصحابة؛ كعبد الله بن عمرو بن العاص أدلة عليه وشاهدات، انتهى.

قلت: وبسطت المسألة في "مقدمة الأوجز" أشد البسط، وكانت المسألة خلافية شهيرة في السلف، وكانت فيها ثلاثة مذاهب: المنع والإباحة والمحو بعد الكتابة، كما بسطت أقوالهم وأسماء قائليها في "مقدمة الأوجز"، ثم استقر الأمر على جواز الكتابة، وقد تقدم في كلام الحافظ الإجماع على ذلك، وفي "توضيح مقدمة القسطلاني" لعبد الهادي بعد نقل الاختلاف في ذلك: ثم أجمعوا بعد ذلك وزال الاختلاف، انتهى.

وكذا حكى الإجماع على ذلك السيوطي كما في "مقدمة الأوجز" (٢).

قوله: (هل عندكم كتاب) قال الحافظ (٣): الخطاب لعلي - رضي الله عنه -، والجمع إما لإرادته مع بقية أهل البيت أو للتعظيم، وقوله: "كتاب" أي: مكتوب أخذتموه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أوحي إليه، ويدل على ذلك رواية المصنف في "الجهاد": "هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ "


(١) "شرح تراجم أبواب البخاري" (ص ٥٦).
(٢) "أوجز المسالك" (١/ ٦٥ - ٧٢).
(٣) "فتح الباري" (١/ ٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>