للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "تراجم شيخ الهند": يعني: أنه لا يستحب للعالم أن يقول: أنا أعلم، إذا سئل: أيُّ الناس أعلم؟ ولو تحقق كونه أعلم الناس، بل يستحب أن يجيب بقوله: الله أعلم، وهذا الأمر واضح من حديث الباب، ويظهر من هذا أن غرض المؤلف - رحمه الله - أنه ينبغي للعلماء أن يتحلوا بالتواضع دائمًا خصوصًا من جهة العلم، فيلاحظوا نقصان أنفسهم وكمال الرب - عز وجل -، ولما أن أسباب الكبر والعجب تكثر فيهم، فينبغي لهم الاحتياط الشديد، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع" (١): قوله: "باب ما يستحب. . ." إلخ، وإن كان يجوز له الحكم بناءً على الظاهر إلا أنه استبعد من موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام لكونه أرفع شأنًا من أن يظن بنفسه شيئًا من الكمال، وكان فيه فتح باب الكبر والإعجاب، سيما بني إسرائيل فإنهم فرسان هذا الميدان، وحملة ألوية الزهو والطغيان، وإنما بدر موسى إلى مقالته لما علم أن الرسول هو صفوة الله من عباده، ولذلك اختير للإرسال إلى بلاده، وكان مصيبًا في [ظنه] ذلك، إلا أن ذلك لا يستلزم إلا الأعملية في علم الأحكام والشرائع، مع أن للكريم تبارك وتعالى في خليقته صنائع وبدائع، وكان الظاهر من قوله: أنا أعلم، هو الإطلاق، وكونه كذلك في كل نوع من العلوم، فعوتب على ذلك، فلعل أحدًا أعلم منه باعتبار بعض العلوم وإن كان له الفضل فيما هو أعلى أقسام العلوم، أي: علم الشريعة.

ثم إن اتباع موسى - عليه السلام - له لم يكن إلا بأمر منه تبارك وتعالى، فكان الخضر على حق فيما يصنعه قطعًا، ومع ذلك فلم يكن لموسى - عليه السلام - صبر على ما كان يصنعه، فلا حجة لمتصوفة زماننا في ترك الاعتراض عليهم فيما يأتوننا من الأمور المنكرة شرعًا، وذلك لأن خضرًا كان نبيًّا، ولو سُلِّم عدمه لكان في أمره تعالى باتباعه كفاية، فعلم أنه مصيب يقينًا، وانتفى اليقين فيما نحن فيه، فلا يجوز لأحد من أهل العلم السكوت على منكر يأتون به؛


(١) "لامع الدراري" (٢/ ٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>