للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وكذلك في غيرها من كتب الحنفية، فنسبة الخلاف فيه إلى الحنفية لا يصح، وفي "الأوجز" أيضًا أن الباجي حكى الاختلاف عن الشيخ أبي إسحاق دون أبي حنيفة وهو الصواب، فإن مقدار الماء عندنا من السنن كما تقدم.

ثم لا يذهب عليك أن مؤدى الأحاديث الواردة في هذا المعنى كلها عند الجمهور بيان مقدار الماء، لكن في "الأوجز" (١): قال الباجي: قولها: "كان يغتسل من إناء" يحتمل معنيين:

أحدهما: أنه يغتسل من هذا الإناء وإن استعمل اليسير من مائه أو كله أو أكثر منه، فيتناول ذلك إباحة الوضوء بذلك الإناء.

والثاني: أنه يستعمله في غسله ملء ذلك الإناء فتقصد به الإخبار عن مقدار الماء.

قلت: فيكون الحديث على الاحتمال الأول من بيان ظروف الوضوء والغسل لا من باب مقدار الماء لهما، لكن لفظ أبي عبيد في "كتاب الأموال" برواية صفية عن عائشة بلفظ: "يتوضأ بقدر الماء ويغتسل بقدر الصاع" يؤيد المعنى الثاني، وكذلك لفظ مجاهد [عن عائشة قالت: والله] إن كنت لأغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة بصاع من ماء جميعًا، انتهى ما في "الأوجز".

وفيه أيضًا عن ابن العربي أنه [قال:] إذا قلنا: إنه يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، فمعناه بالصاع كيلًا لا وزنًا؛ لأن كيل المد والصاع بالماء أضعافه بالوزن، فتفطن لهذه الدقيقة، انتهى.

واختلاف العلماء في مقدار المد أنه رطلان أو رطل وثلث، معروف، بعد إجماعهم أن الصاع أربعة أمداد، فالمد عند الإمام الأعظم رطلان، وعند صاحبيه وبه قال الأئمة الثلاثة: رطل وثلث، وبسط الكلام على الدلائل في "البذل" (٢) و"الأوجز".


(١) "أوجز المسالك" (١/ ٥٠٠)، و"المنتقى" (١/ ٩٥).
(٢) "بذل المجهود" (١/ ٤٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>