للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دفع توهم من توهم أنه لا تجوز صلاة الرجل وقدامه تنور للتشبيه بالمجوس، وفي استدلال المصنف بالرواية نوع خفاء لا يخفى، وتوجيهه أن كون النار قدام المصلي لو كان غير مرضى عند الله ومفسدًا لصلاته لما ساغ ذلك في حق حبيبه ونبيه، ولما أحضرها قدام نبيه - صلى الله عليه وسلم -، انتهى.

وكتب الشيخ في "اللامع" (١): إن استدلاله بالرواية لا يخلوا عن لطافة ما، فإنه أظهر بذلك أن وجه الشبه إذا كان خفيًا لا يدرك فإنه لا يكون مورثًا للكراهة، ووجهه ارتفاع سبب الكراهة، فإن الذي أمامه نار أو صورة أو قبر فسترها لم يبق بعد الستر شبه بعبدة الأصنام، فكذلك النار الغائبة عن الأعين كما رُئيها النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنها لم تصر سببًا للشبه لاستتارها، ومن ههنا يعلم حال التنور الذي ذكره في الترجمة، فإن من صلى وقدامه تنور فإن صلاته خالية عن الكراهة لارتفاع العلة، وعلى هذا حكم النار وغيره، وعلى هذا فلم يكن صلاته - صلى الله عليه وسلم - مما نحن فيه، أي: من الصلوات المكروهة، وأما ما أجاب بعضهم بعد تسليم سبب الكراهة: أن ذلك كان اضطرارًا منه - صلى الله عليه وسلم - لا اختيارًا فبعيد؛ لأن النار لو لم تكن في اختياره فإن صلاته كانت في اختياره، فلو كانت فيه كراهة لا سيما التحريمية لأفسدها، فافهم، انتهى.

وبسط في هامشه كلام الشرَّاح في وجه الاستدلال.

ثم يشكل على البخاري ما تقدم من "باب الصلاة في المصلب والمصور" وما سيأتي من "باب الصلاة في البيعة".

قال الكرماني (٢) في "باب الصلاة في البيعة": إن قلت: ما وجه الجمع بينه وبين ما تقدم من "باب من صلى وقدامه نار. . ." إلخ، من جواز الصلاة وعدم كراهتها.

قلت: حكم التماثيل غير حكم سائر المعبودات؛ لأنها بأنفسها منكرات؛ إذ الصور محرمة سواء تعبد أم لا؟ بخلاف النار مثلًا فإن عبادتها


(١) "لامع الدراري" (٢/ ٤٠٢ - ٤٠٦).
(٢) انظر: "شرح الكرماني" (٤/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>