للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمطابقته به، بل هو فارغ مصغ إلى إمامه، فإذا سمعه يؤمن أخذ في التأمين، فأما إذا أمن الإمام سرًّا فللمأموم مظنة الفوات إذا أسرع الإمام في تقضيه ولم يتأن، فأمره أن لا يتعجل.

وكذلك قوله: كان ابن عمر لا يدعه ويحضهم، ليس نصًا في الجهر، بل يحتمل كلًّا منهما، وأما أنه لو أخفاه لما سمعه نافع، فأمر مبني على محض توهم؛ لأن كثيرًا من التسبيحات والثناء والتشهد وغير ذلك كان معلومًا للصحابة، ولم يجهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، فكذلك التأمين علم به نافع وإن لم يجهر به ابن عمر، بل كان ذلك بتعليم منه في خارج الصلاة مع أن من اتصل الإمام في الصف ودنا منه فإنه يسمع في إسراره أيضًا إذا لم يسر أدنى مراتب الإسرار، بل أخذ أوسطها، وأما إذا أخذ بأقصى مراتبها الداخل في أدنى الجهر، فلا شك أنه يسمعه بعض من يليه من الصف الثاني أيضًا، فلا يبعد أن يكون ابن عمر يسره هذا الإسرار ويسمعه ويعلم به نافع وغيره ممن هو قريب بابن عمر.

ولعل هذا هو منشأ الخلاف بين لفظي الرواة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما أسر به إسرارًا دخل في أدنى الجهر عبره بعضهم بالجهر لما رأى أن صوته في التأمين فوق صوته بالقراءة في السرية، ومن رأى أن صوته بالتأمين أدنى من صوته بالقراءة في الجهرية عبره بالإسرار، ولا يضر لو ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - جهر بالتأمين حتى سمعه غير من في الصف المتقدم مع أنه لم يثبت، وذلك لأنه لو ثبت منه ذلك لكان سبيله سبيل إسماع الآية أحيانًا في الصلاة السرية، فكما لا تثبت سُنِّية إسماع الآية لا تثبت سُنِّية الجهر بالتأمين.

وأما تعويل المؤلف في احتجاجه بالرواية الموردة في الباب فأمر مطرب عجاب؛ لأنها لا تدل على مدعاه بوجه، ولعله استند بذلك الحديث بأن المأمور به مطلق القول وظاهره الجهر، وأنت تعلم ما فيه فقد ورد في غير ذكر ولا ذكرين أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقوله مع أن الجهر لم يكن مرادًا فيه ولا ثابتًا، نعم يمكن أن يكون احتجاجه بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فقولوا" لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>