للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأوجه عندي: أن ذلك كله من لطائف البخاري ودقة نظره المعروفة تشحيذًا للأذهان، والغرض من ذكر هذا الباب ها هنا أن ما سيأتي من النهي عن كف الثياب محمول على الأمن من الكشف، أما إذا خاف كشف العورة فلا بد من عقدها لأن الفرض أهم من المستحبات.

قال الحافظ (١): قوله: باب عقد الثياب. . . إلخ؛ كأنه يشير إلى أن النهي الوارد عن كف الثياب في الصلاة محمول على غير حالة الاضطرار، ووجه إدخال هذه الترجمة في أحكام السجود من جهة أن حركة السجود والرفع منه تسهل مع ضم الثياب وعقدها لا مع إرسالها وسدلها، أشار إلى ذلك ابن المنيِّر، انتهى.

والأوجه عندي: أنه ذكره في أبواب السجود لأن الكشف أقرب في السجود لما فيه من إبداء الضبعين وتجافي اليدين، فكأنه - رضي الله عنه - ذكر الثياب ها هنا مخافة أن لا يبالي أحد بإتمامه اهتمامًا باشتمال الثياب وعدم الكشف، فذكر في الموضعين المسألتين اهتمامًا بهما لئلا يقصر أحد في إحداهما اهتمامًا بالآخر، ثم ذكر الإمام ثانيًا "باب لا يكف شعره"، وثالثًا "باب لا يكف ثوبه. . ." إلخ، وفرقهما على عادته اهتمامًا بكل واحد منهما.

قال الحافظ (٢): المراد بالشعر شعر الرأس، ومناسبة هذه الترجمة لأحكام السجود من جهة أن الشعر يسجد مع الرأس إذا لم يكف أو يلف، وجاء في حكمة النهي عن ذلك أن غرزة الشعر يقعد عليها الشيطان حالة الصلاة، كما جاء في "سنن أبي داود"، انتهى.

ثم لا يذهب عليك أن المصنف ذكر في "باب لا يكف ثوبه" حديث ابن عباس المذكور في الباب الماضي، وسياق الحديث في البابين على نسق واحد ومع ذلك أطلق الإمام الترجمة الأولى، وقيَّد الثانية بقوله: "في الصلاة" ولم أر من نبَّه على ذلك الفرق.


(١) "فتح الباري" (٢/ ٢٩٨).
(٢) "فتح الباري" (٢/ ٢٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>