للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحتمل أن يكون البخاري أراد بالترجمة بيان تعريف الحكرة التي نهي عنها في غير هذا الحديث، وأن المراد بها قدر زائد على ما يفسره أهل اللغة، فساق الأحاديث التي فيها تمكين الناس من شراء الطعام ونقله، ولو كان الاحتكار ممنوعًا لمنعوا من نقله، أو لبيَّن لهم عند نقله الأمد الذي ينتهون إليه، أو لأخذ على أيديهم من شراء الشيء الكثير الذي هو مظنة الاحتكار، وكل ذلك مشعر بأن الاحتكار إنما يمنع في حالة مخصوصة بشروط مخصوصة، انتهى من "الفتح" (١).

وفي "تراجم (٢) شيخ المشايخ": إن قلت: ليس في أحاديث الباب ذكر الحكرة، قلت: أراد أن بيع الطعام لا بأس به إلا من علة خارجية كعدم القبض ونحوه، كأنه يقول: ما يذكر في بيع الطعام وما يمنعه من الحكرة ونحوها، انتهى.

قلت: واختلفوا فيما يكره فيه الاحتكار، قال النووي (٣): قال أصحابنا: الاحتكار المحرم هو الاحتكار في الأقوات خاصة، وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة، ولا يبيعه في الحلال، بل يدخره ليغلو ثمنه، فأما إذا جاءه من قرية، أو اشتراه في وقت الرخص وادخره، أو ابتاعه في وقت الغلاء لحاجته إلى أكله، أو ابتاعه ليبيعه في وقته، فليس باحتكار، ولا تحريم فيه، وأما غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيه بكل حال، وهذا تفصيل مذهبنا.

وقال ابن العربي (٤): قال مالك: الاحتكار في كل شيء إذا أضرّ بالناس، إلا الفواكه، وأما عند الحنابلة فما في "المغني" (٥): قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن أي شيء الاحتكار؟ قال: إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره.


(١) "فتح الباري" (٤/ ٣٤٨).
(٢) "شرح تراجم أبواب البخاري" (ص ٣٨٩).
(٣) "شرح النووي على صحيح مسلم" (٦/ ٤٩).
(٤) "عارضة الأحوذي" (٦/ ٢٢).
(٥) "المغني" (٦/ ٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>