للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثير من الفلاسفة والزنادقة والقدرية أنهم أنكروا وجودهم رأسًا، قال: ولا يتعجب ممن أنكر ذلك من غير المشرعين، إنما العجب من المشرعين مع نصوص القرآن والأخبار المتواترة، قال: وليس في قضية العقل ما يقدح في إثباتهم، قال القاضي أبو بكر: وكثير من هؤلاء يثبتون وجودهم وينفونه الآن، ومنهم من يثبتهم وينفي تسلطهم على الإنس، وقال عبد الجبار المعتزلي: الدليل على إثباتهم السمع دون العقل، إلى آخر ما بسط الحافظ في وجودهم، وفي أي شيء خلقوا؟ وفي أنهم هل يأكلون ويشربون ويتناكحون أم لا؟ وبسط الكلام على ذلك في "الأوجز".

ثم قال الحافظ (١): وأما كونهم مكلفين فقد قال ابن عبد البر: الجن عند الجماعة مكلفون، وقال عبد الجبار: لا نعلم خلافًا بين أهل النظر في ذلك، إلا ما حكي عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم، وليسوا بمكلفين، إلى آخر ما بسط من الاختلاف في أنه هل كان فيهم نبي أم لا؟ مع اتفاقهم على أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى الجن والإنس، وهذا مما فضل به على الأنبياء.

وأما قول المصنف: "وثوابهم وعقابهم" فلم يختلف من أثبت تكليفهم أنهم يعاقبون على المعاصي، واختلف هل يثابون؟ فروى الطبري وابن أبي حاتم من طريق أبي الزناد موقوفًا قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، قال الله لمؤمن الجن وسائر الأمم - أي: من غير الإنس -: كونوا ترابًا، فحينئذ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابًا"، وروى ابن أبي الدنيا عن ليث بن أبي سليم قال: ثواب الجن أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم: كونوا ترابًا، وروي عن أبي حنيفة نحو هذا القول، وذهب الجمهور إلى أنهم يثابون على الطاعة، وهو قول الأئمة الثلاثة والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد.


(١) "فتح الباري" (٦/ ٣٤٤ - ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>