للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسرار والحكم في نزوله - عليه السلام -، فارجع إليه لو شئت، وسيأتي شيء من الكلام عليه عن "فتح الملهم".

قال الحافظ (١): الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه، فبيَّن الله تعالى كذبهم، وأنه الذي يقتلهم، أو نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض، إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها، وقيل: إنه دعا الله لما رأى صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته أن يجعله منهم، فاستجاب الله دعاءه، وأبقاه حتى ينزل في آخر الزمان مجددًا لأمر الإسلام، فيوافق خروج الدجال فيقتله، والأول أوجه، وروى مسلم من حديث ابن عمر في مدة إقامة عيسى بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين، وروى نعيم بن حماد في "كتاب الفتن" من حديث ابن عباس: "أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض، ويقيم بها تسع عشرة سنة"، وبإسناد فيه مبهم عن أبي هريرة: "يقيم بها أربعين سنة"، وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مثله مرفوعًا.

وقد اختلف في موت عيسى - عليه السلام - قبل رفعه، والأصل فيه قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} [آل عمران: ٥٥]، فقيل: على ظاهره، وعلى هذا فإذا نزل في الأرض ومضت المدة المقدرة له يموت ثانيًا، وقيل: معنى قوله: {مُتَوَفِّيكَ} من الأرض، فعلى هذا لا يموت إلا في آخر الزمان. واختلف في عمره حين رفع، فقيل: ابن ثلاث وثلاثين، وقيل: مائة وعشرين، انتهى كله من "الفتح".

وأجاد صاحب "فتح الملهم" (٢) في بيان الحكمة في نزول عيسى - عليه السلام - حيث كتب: قال العبد الضعيف: اعلم أن الله - سبحانه وتعالى - لما أراد أن يظهر صفة إنعامه وانتقامه خلق الخلق، وجعله أصنافًا، فخلق منابع الإيمان والهداية، من غير نوع الإنسان، وهم الملائكة، ومن النوع الإنساني وهم الأنبياء


(١) "فتح الباري" (٦/ ٤٩٣).
(٢) "فتح الملهم" (٢/ ١٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>